للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

البكر، ولكن لَمّا صحّ قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا نكاح إلا بوليّ" مع غيره من الأحاديث الدّالّة على اشتراط الوليّ تعيّن الاحتمال الثاني.

[واعلم]: أن لفظة "أحقّ" هنا للمشاركة، معناه: أن لها في نفسها في النكاح حقًّا، ولوليّها حقًّا، وحقّها أوكد من حقّه، فإنه لو أراد تزويجها كفؤًا، وامتنعت لم تُجبر، ولو أرادت أن تتزوّج كفؤًا، فامتنع الوليّ أُجبر، فإن أصرّ زوّجها القاضي، فدلّ على تأكيد حقّها، ورجحانه. انتهى.

(وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا) ببناء الفعل للمفعول: أي يُطْلَب إذنها في تزويجها، وفي الرواية التالية: "والبكر تُستأمر".

قال القرطبيّ - رحمه الله -: هكذا وقع في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: "والبكر تُستأمر"، وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "الأيّم تُستأمر، والبكر تُستأذن"، وهو أتقن مساقًا من حديث ابن عباس لأن "تُستأمر" معناه: يُستدعَى أمرها، وهذا يظهر منه أن يصدر منها بالقول ما يُسمّى أمرًا، وهذا ممكن من الثيّب؛ لأنها لا يَلحقها من الخجل، والانقباض ما يَلحق البكر، فلا يُكتفى منها إلا بنطق يدلّ على مرادها صريحًا، وأما "تُستأذن" فإنه يقتضي أن يظهر منها ما يدلّ على رضاها، وإذنها بأيّ وجه كان، من سكوت، أو غيره، ولا تُكلّف النطقَ، ولذلك لما قال في حديث ابن عباس: "لا تُنكح البكر حتى تُستأذن" أشكل عليهم إذنها، فسألوا، فأجيبوا بقوله (وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا") بضم الصاد المهملة، ويقال فيه: الصّمت - بالفتح - والصّموت - بالضمّ -: ومعناها السكوت، وإلى هذا أشرت بقولي:

الصَّمْتُ وَالصُّمَاتُ والصُّمُوتُ … مَصَادِرٌ يُعْنَى بِهَا السُّكُوتُ

كَالْقَتْلِ وَالصُّرَاخِ وَالسُّكُوتِ … فَاحْفَظْ فَمَا حُفِظَ ذُو ثُبُوتِ

قال الفيّوميّ - رحمه الله -: والأصل: وصُماتها كإذنها، فشُبِّهَ الصُّماتُ بالإذن شرعًا، ثم جُعِل إذنًا مجازًا، ثم قُدّم مبالغةً، والمعنى: هو كاف في الإذن، وهذا مثل قوله: "ذكاة الجنين ذكاة أمّه"، والأصل: ذكاة أمّ الجنين ذكاته، وإنما قلنا: الأصل: صماتها كإذنها؛ لأنه لا يُخبرُ عن شيءٍ إلا بما يصحّ أن يكون وصفًا له حقيقةً، أو مجازًا، فيصحّ أن يقال: الفرس يطير، ولا يصحّ أن يقال: الحجر يطير؛ لأنه لا يوصف بذلك، فصُماتها كإذنها صحيح، ولا يصحّ