فعرضت نفسها عليه، فقال لها: اجلسي، فجلست ساعة، ثم قامت، فقال: اجلسي بارك الله فيك، أما نحن فلا حاجة لنا فيك".
فيؤخذ منه وفور أدب المرأة مع شدّة رغبتها؛ لأنها لم تبالغ في الإلحاح في الطلب، وفهمت من السكوت عدم الرغبة، لكنها لمّا لم تيأس من الردّ جلست تنتظر الفرج، وسكوته - صلى الله عليه وسلم - إما حياءً من مواجهتها بالردّ، وكان شديد الحياء جدًّا، فقد ثبت في صفته - صلى الله عليه وسلم - أنه كان أشدّ حياء من العذراء في خدرها، وإما انتظارًا للوحي، وإما تفكّرًا في جواب يناسب المقام (١).
(أَنَّهُ) - صلى الله عليه وسلم - (لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا) يعني أنها لم تُعجبه، وليست له فيها رغبة (جَلَسَتْ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ) قال الحافظ: لم أقف على اسمه، لكن وقع في رواية معمر، والثوريّ، عند الطبرانيّ: "فقام رجلٌ أحسبه من الأنصار"، وفي رواية زائدة عنده: "فقال رجلٌ من الأنصار"، ووقع في حديث ابن مسعود: "فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من يَنكِح هذه؟ فقام رجل".
(فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا) قال في "الفتح": ولا يعارض هذا قوله في حديث حماد بن زيد: "لا حاجة لي"؛ لجواز أن تتجدّد الرغبة فيها بعد أن لم تكن. انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ويَحْتَمِل أن يكون ذلك الرجل لم يسمع قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا حاجة لي"، والله تعالى أعلم.
(فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("فَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟ ") وفي نسخة: "فهل معك من شيء؟ "، وفي رواية: "هل عندك شيء تُصدقها؟ "، وفي رواية ابن مسعود: "ألك مالٌ؟ ".
(فَقَالَ) الرجل (لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ) وفي رواية: "قال: ما أجد شيئًا"، زاد في رواية هشام بن سعد: "قال: فلا بدّ لها من شيء"، وفي رواية الثوريّ عند الإسماعيليّ: "عندك شيء؟، قال: لا، قال: إنه لا يصلح".
ووقع في حديث أبي هريرة عند النسائيّ بعد قوله: "لا حاجة لي":