قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن مما ذُكِرّ أنَّ ما ذهب إليه الشافعيّ ومن تبعه من جواز كون الأجرة صداقًا، هو الأرجح، لظهور دليله، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثانية عشرة): أنه استُدِلَّ به على أن من قال: زوّجني فلانة، فقال: زوجتكها بكذا كفى، ولا يحتاج إلى قول الزوج: قبلت، قاله أبو بكر الرازيّ من الحنفيّة، وذكره الرافعيّ من الشافعيّة.
وقد استُشكل من جهة طول الفصل بين الاستيجاب والإيجاب، وفراق الرجل المجلس لالتماس ما يُصدقها إياه.
وأجاب المهلّب بأن بساط القصّة أغنى عن ذلك، وكذا كلّ راغب في التزويج إذا استوجب، فأُجيب بشيء معيّن، وسكت كفى، إذا ظهر قرينة القبول، وإلا فيُشترط معرفة رضاه بالقدر المذكور، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثالثة عشرة): أنه استُدلّ بالحديث على جواز ثبوت العقد بدون لفظ النكاح والتزويج. وخالف ذلك الشافعيّ، ومن المالكيّة: ابن دينار وغيره، والمشهور عن المالكيّة جوازه بكلّ لفظ دلّ على معناه، إذا قُرن بذكر الصداق، أو قصد النكاح، كالتمليك، والهبة، والصدقة، والبيع، ولا يصحّ عندهم بلفظ الإجارة، ولا العارية، ولا الوصيّة، واختُلف عندهم في الإحلال، والإباحة، وأجازه الحنفيّة بكلّ لفظ يقتضي التأبيد مع القصد، وموضع الدليل من هذا الحديث ورود قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ملّكتكها"، لكن ورد أيضًا بلفظ:"زوّجتكها".
قال ابن دقيق العيد: هذه لفظة واحدة في قصّة واحدة، واختلف فيها مع اتحاد مخرج الحديث، فالظاهر أن الواقع من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أحد الألفاظ المذكورة، فالصواب في مثل هذا النظر إلى الترجيح، وقد نقل عن الدارقطنيّ أن الصواب رواية من روى:"زوّجتكها"، وأنهم أكثر وأحفظ، قال: وقال بعض المتأخّرين: يَحْتَمِل صحّة اللفظين، ويكون قال لفظ التزويج أوّلًا، ثم قال: اذهب فقد ملّكتكها بالتزويج السابق، قال ابن دقيق العيد: وهذا بعيد؛ لأن سياق الحديث يقتضي تعيين لفظة قِيلَتْ، لا تعدّدها، وأنها هي التي انعقد بها النكاح، وما ذكره يقتضي وقوع أمر آخر انعقد به النكاح، والذي قاله بعيد