للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفوقه، وقلة من كان في السبي مثل صفية في نفاستها، فلو خصّه بها لأمكن تغير خاطر بعضهم، فكان من المصلحة العامة ارتجاعها منه، واختصاص النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بها، فإن في ذلك رضا الجميع، وليس ذلك من الرجوع في الهبة من شيء، وأما إطلاق الشراء على العوض، فعلى سبيل المجاز، ولعله عوّضه عنها بنت عمها، أو بنت عم زوجها، فلم تطب نفسه، فأعطاه من جملة السبي زيادة على ذلك.

وعند ابن سعد من طريق سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس، وأصله في مسلم: "صارت صفية لدحية، فجعلوا يمدحونها، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأعطى بها دحية ما رضي". انتهى (١).

وقوله: (تُصَنِّعُهَا لَهُ، وَتُهَيِّئُهَا)؛ أي: تزيّنها وتجمّلها على عادة العروس بما ليس بمنهي عنه من وشم، ووصل، وغير ذلك من المنهيّ عنه.

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "حتى إذا كانت بالطريق جهّزَتْها له أُمُّ سُلَيمٍ، وأهدتها له من الليل"؛ يعني: طريقَ رجوعه من خيبر إلى المدينة، كما جاء في الرواية الأخرى مفَسَّرًا. وكان بين سبائها، وبين دخول النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بها زمان أسلمت فيه، واستُبرأت، وأُصلح حالها فيه، ثم دخل بها بَعْدُ، ولذلك قال أنس في الرواية الأخرى: "ثم دفعها لأُمِّي تُصَنِّعُها، وتُهَيِّئُهَا، وتعتَدُّ في بيتها"؛ يعني: في بيت أم أَنس. انتهى (٢).

وقوله: (قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ) الظاهر أن فاعل "قال" الأول ضمير ثابت، والثاني ضمير أنس، والله تعالى أعلم.

وقوله: (وَتَعْتَدُّ فِي بَيْتِهَا) معناه: تستبرئ بحيضة في بيت أم سُليم.

وقوله: (فُحِصَتِ الأَرْضُ أفَاحِيصَ) - بضم الفاء، وكسر الحاء المهملة المخففة -؛ أي: كُشف التراب من أعلاها، وحُفرت شيئًا يسيرًا؛ ليُجعل الأنطاع في المحفور، ويصبّ فيها السمن، فيثبت، ولا يخرج من جوانبها، وأصل الفحص الكشف، وفَحَص عن الأمر، من باب نفع، وفَحَص الطائر لبيضه، والأفاحيص جمع أُفْحوص، قاله النوويّ (٣).


(١) "الفتح" ٧/ ٤٧٠.
(٢) "المفهم" ٤/ ١٤١، ١٤٢.
(٣) "شرح النوويّ" ٩/ ٢٢٤.