للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال القرطبيّ: أولى من هذا أن يقال: إن القصَّة واحدة، ليس فيها وَهْم؛ فإنَّه يمكن أن يقال: اجتمع في تلك الوليمة الأمران، فأكل قوم الخبز واللحم حتى شبعوا وانصرفوا، ثم إنَّه لما جاء الْحَيْس استَدْعَى الناس وجرى ما ذكر، وهذا كلُّه، والمتحدِّثون في بيته جلوسٌ لم يبرحوا إلى أن خرج النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ودار على بيوت أزواجه على ما تقدَّم، وليس في تقدير هذا بُعْدٌ، ولا تناقض، وإذا أمكن هذا حملناه عليه، وكان أولى من تطريق الوهم للثقات والأثبات، من غير ضرورة تدعو إليه، ولا أمر بيِّنٍ يدلُّ عليه (١)، والله أعلم. انتهى (٢).

(يَتَحَدَّثُونَ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ، وَزَوْجَتُهُ) قال النوويّ - رحمه الله -: هكذا هو في جميع النسخ، و"زوجته" بالتاء، وهي لغة قليلة، تكرّرت في الحديث، والشعر، والمشهور حذفها. انتهى (٣). (مُوَلِّيَةٌ) أي موجِّهة (وَجْهَهَا إِلَى الْحَائِطِ، فَثَقُلُوا) بضمّ الفاء المخفّفة (عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَلَّمَ عَلَى نِسَائِهِ) وفي رواية معمر: "فأطالوا عليه الحديث، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستحيي منهم أن يقول لهم شيئًا، فخرج، وتركهم في البيت" (ثُمَّ رَجَعَ، فَلَمَّا رَأَوْا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَدْ رَجَعَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ ثَقُلُوا عَلَيْهِ، قَالَ: فَابْتَدَرُوا الْبَابَ) أي تسابقوا إليه للخروج منه (فَخَرَجُوا كُلُّهُمْ، وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى أَرْخَى السِّتْرَ، وَدَخَلَ وَأنَا جَالِسٌ فِي الْحُجْرَةِ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا) أي وقتًا قليلًا (حَتَّى خَرَجَ عَلَيَّ، وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ) ببناء الفعل للمفعول، والإشارة للآية المذكورة بعده (فخَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَرَأَهُنَّ عَلَى النَّاسِ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ}) أي منتظرين ({إِنَاهُ}) أي إدراكه، ونضجه {وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} وقوله: ({وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ}) معطوف على {نَاظِرِينَ} ({إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ} إِلَى آخِرِ الْآيةِ، قَالَ الْجَعْدُ: قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَا أَحْدَثُ النَّاسِ عَهْدًا) أي أقرب الناس زمنًا (بِهَذِهِ الْآيَاتِ) أي بنزولها (وَحُجِبْنَ نِسَاءُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -) ببناء الفعل للمفعول، أي مُنِعن من الظهور والتبرّج أمام الرجال الأجانب.


(١) قد تقدّم للحافظ - رحمه الله - توجيه آخر في الجمع بين الروايتين، فلا تغفل.
(٢) "المفهم" ٤/ ١٥١ - ١٥٢.
(٣) "شرح النوويّ" ٩/ ٢٣٢.