للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فتزوّجها عبد الرحمن بن الزَّبِير القرظي، قالت عائشة: فجاءت، وعليها خمار أخضر، فشكت إليها - أي إلى عائشة من زوجها، وأرتها خُضْرةً بجلدها، فلما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والنساء ينصر بعضهنّ بعضًا، قالت عائشة: ما رأيت ما يَلْقَى المؤمناتُ، لَجِلْدُها أشدُّ خضرةً من ثوبها، قال: وسمع زوجها أنها قد أتت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فجاء، ومعه ابنان له من غيرها، قالت: والله ما لي إليه من ذَنْب إلا أن ما معه، ليس بأغنى عنّي من هذه، وأخذت هدبة من ثوبها، فقال: كذبتْ والله يا رسول الله، إني لأنفضُها نَفْضَ الأديم، ولكنها ناشزةٌ، تريد رفاعة، قال: "فإن كان ذلك لم تحلّي له، أو لم تصلحي له حتى يذوق من عُسَيلتك"، قال: وأبصر معه ابنين له، فقال: "بنوك هؤلاء؟ " قال: نعم، قال: "هذا الذي تزعمين ما تزعُمين؟، فوالله لهم أشبه به من الغراب بالغراب".

قال في "الفتح": وكأن هذه المراجعة بينهما هي التي حملت خالد بن سعيد بن العاص على قوله الذي وقع في هذه الرواية.

قال - صلى الله عليه وسلم -: ("لَا) أي لا ترجعين إلى رفاعة (حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ) أي عسيلة عبد الرحمن بن الزَّبِير (وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ") قال النوويّ - رحمه الله -: هو بضمّ العين، وفتح السين، تصغير عَسَلَة، وهي كناية عن الجماع، شبّه لذّته بلذّة العسل، وحلاوته، قالوا: وأنّث العسيلة؛ لأن في العسل نعتين: التذكير والتأنيث، وقيل: أنّثها على إرادة النطفة، وهذا ضعيف؛ لأن الإنزال لا يُشترط. انتهى (١).

وقال الفيّوميّ: وهذه استعارة لطيفة، فإنه شبّه لذّة الجماع بحلاوة العسل، أو سمّى الجماعَ عسَلًا؛ لأن العرب تُسمّي كلَّ ما تستحليه عَسَلًا، وأشار بالتصغير إلى تقليل القدر الذي لا بُدّ منه في حصول الاكتفاء به، قال العلماء: وهو تغييب الحَشَفَة؛ لأنه مظِنّةُ اللّذّة. انتهى (٢).

وقال في "الفتح": كذا في الموضعين بالتصغير، واختُلف في توجيهه، فقيل: هي تصغير العسل؛ لأن العسل مؤنّث، جزم به القزّاز، ثم قال:


(١) "شرح النوويّ" ١٠/ ٢ - ٣.
(٢) "المصباح المنير" ٢/ ٤٠٩ - ٤١٠.