للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وكنى به عن النكاح؛ لأنه يُفعل في السرّ.

قال: ومقصود هذا الحديث هو أن الرجل له مع أهله خلوةٌ، وحالةٌ يقبُح ذكرها، والتحدّث بها، وتَحْمِل الغَيرة على سَتْرها، ويلزم من كشفها عارٌ عند أهل المروءة والحياء، فإن تكلّم بشيء من ذلك، وأبداه، كان قد كشف عورة نفسه وزوجته؛ إذ لا فرق بين كشفها للعيان، وكشفها للأسماع والآذان؛ إذ كلّ واحد منهما يحصل به الاطّلاع على العورة، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تعمد المرأة، فتصف المرأة لزوجها، حتى كأنه ينظر إليها" (١)، فإن دعت حاجةٌ إلى ذكر شيء من ذلك، فليذكره مبهمًا، غير معيّن، بحسب الحاجة والضرورة، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "فعلته أنا وهذه" (٢)، وكقوله: "هل أعرستم الليلة؟ " (٣)، وقول أم المؤمنين له - صلى الله عليه وسلم -: "كيف وجدت أهلك؟ " (٤)، والتصريح بذلك، وتفصيله ليس من مكارم الأخلاق، ولا من خصال أهل الدين. انتهى (٥).

وقال النوويّ - رحمه الله -: في هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته، من أمور الاستمتاع، ووصف تفاصيل ذلك، وما يجري من المرأة فيه، من قول، أو فعل، ونحوه، فأما مجرد ذكر الجماع، فإن لم تكن فيه فائدة، ولا إليه حاجة فمكروه؛ لأنه خلاف المروءة، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا، أو ليصمت"، وإن كان إليه حاجة، أو ترتب عليه فائدة، بأن يُنكَر عليه إعراضه عنها، أو تَدَّعِي عليه العجز عن الجماع، أو نحو ذلك، فلا كراهة في ذكره، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "إني لأفعله أنا وهذه"، وقال - صلى الله عليه وسلم - لأبي طلحة - رضي الله عنه -: "أعرستم الليلةَ؟ "، وقال لجابر - رضي الله عنه -: "الكَيْسَ الكَيْسَ"، والله أعلم. انتهى (٦).

وقال وليّ الله الدهلويّ - رحمه الله -: لَمّا كان الستر واجبًا، وإظهار ما أُسبل عليه الستر قلبًا لموضوعه، ومناقضًا لغرضه، كان من مقتضاه أن يُنْهَى عنه،


(١) رواه أحمد في "مسنده" ١/ ٣٨٠ و ٤٦٠.
(٢) رواه البخاريّ تعليقًا (٩/ ٣٤٤)، ومسلم (٣٥٠).
(٣) متّفقٌ عليه.
(٤) متّفقٌ عليه.
(٥) "المفهم" ٤/ ١٦١ - ١٦٢.
(٦) "شرح النوويّ" ١٠/ ٨ - ٩.