للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أو المعنى على النهي: أي لا تفعلوا العزل، وفي رواية مالك، عن الزهريّ الآتية: "قال لنا: وإنكم لتفعلون؟، وإنكم لتفعلون؟ وإنكم لتفعلون؟ "، وفي رواية البخاريّ: "أوَ إنكم لتفعلون" بدون تكرار.

(مَا) نافية (كَتَبَ اللهُ خَلْقَ نَسَمَةٍ) بنصب "خَلْقَ" على المفعوليّة (هِيَ كَائِنَةٌ) أي مخلوقة، وقوله: (إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) متعلّق بـ "كتب"، أو بـ "خَلْق"، أو بـ "كائنة" (إِلَّا سَتَكُونُ) أي ستوجد، فـ "تكون" هنا تامّة.

قال النوويّ - رحمه الله -: قوله: "لا عليكم أن لا تفعلوا. . . إلخ": معناه: ما عليكم ضرر في ترك العزل؛ لأن كلَّ نفس قَدَّرَ الله تعالى خلقها لا بد أن يخلقها، سواءٌ عَزَلتم أم لا، وما لم يُقَدِّر خلقها لا يقع، سواء عزلتم أم لا، فلا فائدة في عزلكم، فإنه إن كان الله تعالى قَدَّرَ خلقها سبقكم الماء، فلا ينفع حرصكم في منع الخلق. انتهى.

وفي الرواية الآتية: "لا عليكم أن لا تفعلوا، فَإِنَّمَا هُوَ الْقَدَرُ": أي إنما المؤثّر في وجود الولد وعدمه القدرُ، لا العزل، فأيّ حاجة إليه.

وقال الحافظ أبو عمر - رحمه الله -: اختُلف في معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما عليكم ألا تفعلوا إلخ": فقيل: ما عليكم في العزل، ولا في امتناعكم منه شيء، فاعزلوا، أو لا تعزلوا، فقد فُرِغ من الخلق، وإعدادهم، وما قضي، وسَبَقَ في علم الله، فلا بدّ أن يكون لا محالة، قال الله - عز وجل -: {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (٢٩)} [النبأ: ٢٩]، وقال - عز وجل -: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (٥٢) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (٥٣)} [القمر: ٥٢ - ٥٣].

وقيل: بل معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أن لا تفعلوا": أي لا تفعلوا العزل، كأنه نهَى عنه. انتهى كلام ابن عبد البرّ - رحمه الله - (١).

وقال أبو العبّاس القرطبيّ - رحمه الله -: اختُلف في قوله: "لا عليكم ألا تفعلوا"، ففهمتْ طائفةٌ منه النهي والزجر عن العزل، كما حُكي عن الحسن، ومحمد بن المثنّى (٢)، وكأن هؤلاء فَهِمُوا من "لا" النهي عما سُئل عنه، وحُذف


(١) "الاستذكار" ١٨/ ٢٠٤ - ٢٠٥.
(٢) هكذا نسخة: "المفهم" "ابن المثنّى"، والظاهر أنه تصحيف من "ابن سيرين"، كما المنصوص عند مسلم، فليُحرّر.