للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بعد قوله: "لا"، فكأنه قال: لا تعزلوا، وعليكم ألّا تفعلوا، تأكيدًا لذلك النهي.

وفَهِمَت طائفةٌ أخرى منها الإباحة، وكأنها جعلت جواب السؤال قوله: "لا عليكم ألا تفعلوا": أي ليس عليكم جناحٌ في أن لا تفعلوا.

وهذا التأويل أولى بدليل قوله: "ما من نسمة كائنة إلا ستكون"، وبقوله: "لا عليكم ألا تفعلوا، فإنما هو القدر"، وبقوله: "إذا أراد الله خلقَ الشيء لم يمنعه شيء"، وهذه الألفاظ كلّها مصرّحةٌ بأن العزل لا يردّ القدر، ولا يضرّه، فكأنه قال: لا بأس به.

وبهذا تمسّك من رأى إباحة العزل مطلقًا عن الزوجة والسُّرِّيّة، وبه قال كثيرٌ من الصحابة، والتابعين، والفقهاء.

وقد كرهه آخرون من الصحابة، وغيرهم، متمسّكين بالطريقة المتقدّمة، وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ذلك الوأد الخفيّ".

ووقع في رواية مسلم لهذا الحديث من طريق أيوب، عن ابن سيرين ما نصّه: "قال محمد: وقوله: "لا عليكم" أقرب إلى النهي"، ومن طريق معاذ بن معاذ، عن ابن عون، عن ابن سيرين ما نصّه: قال ابن عون: فحدّثتُ به الحسنَ، فقال: والله لكأنّ هذا زجر.

قال في "الفتح": قال القرطبيّ: كأن هؤلاء فهموا من "لا" النهي عما سألوه عنه، فكأن عندهم بعد "لا" حذفًا، تقديره: لا تعزلوا، وعليكم أن لا تفعلوا، ويكون قوله: "وعليكم إلخ" تأكيدًا للنهي.

وتُعُقّب بأن الأصل عدم هذا التقدير، وإنما معناه: ليس عليكم أن تتركوا، وهو يساوي أن لا تفعلوا، وقال غيره: قوله: "لا عليكم أن لا تفعلوا" أي لا حرج عليكم أن لا تفعلوا، ففيه نفي الحرج عن عدم الفعل، فأفهم ثبوت الحرج في فعل العزل، ولو كان المراد نفي الحرج عن الفعل لقال: لا عليكم أن تفعلوا، إلا أن يُدّعَى أنّ "لا" زائدةٌ، فيقال: الأصل عدم ذلك.

ووقع في رواية مسلم الآتية من طريق مجاهد، عن قَزَعَةَ، عن أبي سعيد الخدريّ، قال: ذُكر العزل عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "ولِمَ يَفعَلُ ذلك أحدكم؟ "، ولم يقل: لا يفعلْ ذلك، فأشار إلى أنه لم يصرّح لهم بالنهي،