وإنما أشار أن الأَولى ترك ذلك؛ لأن العزل إنما كان خشية حصول الولد، فلا فائدة في ذلك؛ لأن الله إن كان قدّر خلق الولد لم يمنع العزل ذلك، فقد يسبق الماء، ولا يشعر العازل، فيحصل العلوق، ويلحقه الولد، ولا رادّ لما قضى الله، والفرار من حصول الولد يكون لأسباب:
(منها): خشية علوق الزوجة الأمةِ؛ لئلّا يصير الولد رقيقًا، أو خشية دخول الضرر على الولد المرضَع إذا كانت الموطوءة تُرضعه، أو فرارًا من كثرة العيال، إذا كان الرجل مُقِلًّا، فيرغب عن قلّة الولد؛ لئلّا يتضرّر بتحصيل الكسب، وكلُّ ذلك لا يُغني شيئًا.
وقد أخرج أحمد، والبزّار، وصحّحه ابن حبّان من حديث أنس - رضي الله عنه -: أن رجلًا سأل عن العزل؟ فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "لو أن الماء الذي يكون منه الولد أهرقته على صخرة لأخرج الله منها ولدًا"، وله شاهدان في "الكبير" للطبرانيّ عن ابن عبّاس - رضي الله عنهما -، وفي "الأوسط" له عن ابن مسعود - رضي الله عنه -.
قال الحافظ: وليس في جميع الصور التي يقع العزل بسببها ما يكون العزل فيه راجحًا، سوى الصورة الآتية عند مسلم من طريق عبد الرحمن بن بشر، عن أبي سعيد - يعني حديث الباب - وهي خشية أن يضرّ الحمل بالولد المرضَع؛ لأنه مما جُرّب، فضرّ غالبًا، لكن وقع في بقيّة الحديث عند مسلم أن العزل بسبب ذلك لا يفيد؛ لاحتمال أن يقع الحمل بغير الاختيار.
ووقع عند مسلم في حديث أُسامة بن زيد الآتي: جاء رجلٌ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إني أعزل عن امرأتي شفقةً على ولدها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا، إن كان كذلك، فلا، ما ضارّ ذلك فارس ولا الروم".
وفي العزل أيضًا إدخال ضرر على المرأة؛ لما فيه من تفويت لذّتها. انتهى (١)، وسيأتي تحقيق الخلاف في المسألة الرابعة - إن شاء الله تعالى - والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.