للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وما نشاء إلا أن يشاء الله، {وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [النحل: ٩]، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وله الخلق، والأمرُ، له ما في السموات، وما في الأرض، وما بينهما، وما تحت الثرى، ولا يكون في شيء من ذلك إلا ما يشاء، يغفر لمن يشاء، ويُعذّب من يشاء، ومن عذّبه فبذنبه، ويعفو عمن يشاء من عباده، ومن لم يوفّقه، فليس بظالم له، لا يظلم مثقال ذرّة، وإن تك حسنةً يُضاعفها، وما ربّك بظلّام للعبيد. انتهى (١).

٦ - (ومنها): ما قال في "الفتح": استُدِلّ بقوله: "وأصبنا كرائم العرب"، لمن أجاز استرقاق العرب، وبقوله: "أردنا أن نستمتع" لمن أجاز وطء المشركات بمِلك اليمين، وإن لم يكنّ من أهل الكتاب؛ لأن بني المصطلِق كانوا أهل أوثان، وقد انفصل عنه من منع باحتمال أن يكونوا ممن دان بدين أهل الكتاب، وهو باطل، وباحتمال أن يكون ذلك في أول الأمر، ثم نُسخ، وفيه نظر؛ إذ النسخ لا يثبت بالاحتمال، وباحتمال أن تكون المسبيات أسلمن قبل الوطء، وهذا لا يتم مع قوله في الحديث: "وأحببنا الفداء"، فإن المسلمة لا تعاد للمشرك، نعم يمكن حمل الفداء على مَعْنًى أخصّ، وهو أنهن يَفْدِين أنفسهنّ، فيُعْتَقْن من الرقّ، ولا يلزم منه إعادتهنّ للمشركين، وحمَله بعضهم على إرادة الثمن؛ لأن الفداء المتخوَّف من فوته هو الثمن، ويؤيد هذا الحمل قوله في الرواية الأخرى: "فقالوا: يا رسول الله إنا أصبنا سبيًا، ونحبّ الأثمان، فكيف ترى في العزل؟ "، وهذا أقوى مِن جميع ما تقدم، والله أعلم. انتهى (٢) ما في "الفتح"، وهو بحث نفيسٌ.

وحاصله ترجيح تفسير الفداء في قوله: "ورغبنا في الفداء" بالثمن، أي أنهم يرغبون في بيعها، فإذا حَمَلت منهم امتنع عليهم بيعها، ففقدوا ثمنها، وهذا التأويل كما قال في "الفتح": أقوى من غيره؛ لقوله في الرواية المذكورة: "ونُحبّ الأثمان"، والرواية يفسّر بعضها بعضًا، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حُكم العزل:


(١) "الاستذكار" ١٨/ ٢٠٩ - ٢١٠.
(٢) "الفتح" ١١/ ٦٥١.