(اعلم): أنه اختلف السلف في حكم العزل، قال ابن عبد البرّ - رحمه الله -: لا خلاف بين العلماء أنه لا يعزل عن الزوجة الحرّة إلا بإذنها؛ لأن الجماع من حقّها، ولها المطالبة به، وليس الجماع المعروف إلا ما لا يلحقه عزل، ووافقه في نقل الإجماع ابن هُبيرة.
قال في "الفتح": وتُعُقّب بأن المعروف عند الشافعيّة أن المرأة لا حقّ لها في الجماع أصلًا (١)، ثم في خصوص هذه المسألة عند الشافعيّة خلافٌ مشهور في جواز العزل عن الحرّة بغير إذنها، قال الغزاليّ وغيره: يجوز، وهو المصحّح عند المتأخّرين.
واحتجّ الجمهور لذلك بحديث عن عمر - رضي الله عنه -، أخرجه أحمد، وابن ماجه بلفظ:"نُهي عن العزل عن الحرّة إلا بإذنها"، وفي إسناده ابن لهيعة، والوجه الآخر للشافعيّة الجزم بالمنع إذا امتنعت، وفيما إذا رضيت وجهان، أصحّهما الجواز، وهذا كلّه في الحرّة، وأما الأمة، فإن كانت زوجة، فهي مُرَتّبة على الحرّة، إن جاز فيها ففي الأمة أولى، وإن امتنع فوجهان، أصحّهما الجواز؛ تحرّزًا من إرقاق الولد، وإن كانت سُرّيّةً جاز بلا خلاف عندهم إلا في وجه حكاه الرويانيّ في المنع مطلقًا، كمذهب ابن حزم، وإن كانت السرّيّة مستولدةً، فالراجح الجواز فيه مطلقًا؛ لأنها راسخةٌ في الفراش، وقيل: حكمها حكم الأمة المزوّجة.
هذا: واتفقت المذاهب الثلاثة على أن الحرّة لا يعزل عنها إلا بإذنها، وأن الأمة يعزل عنها بغير إذنها، واختلفوا في المزوّجة، فعند المالكيّة يحتاج إلى إذن سيّدها، وهو قول أبي حنيفة، والراجح عن محمد، وقال أبو يوسف، وأحمد: الإذن لها، وهي رواية عن أحمد، وعنه: بإذنها، وعنه: يباح العزل مطلقًا، وعنه: المنع مطلقًا.
والذي احتجّ به من جنح إلى التفصيل لا يصحّ إلا عند عبد الرزّاق عنه بسند صحيح، عن ابن عبّاس، قال: "تُستأمر الحرّة في العزل، ولا تُستأمر
(١) قال الجامع: قد تقدّم لنا البحث في هذا، وأن الحقّ وجوب الجماع للزوجة إذا احتاجت إليه، فلا تغفل.