للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الهجرة، بعد أُحُد، فتزوّج النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بعده زوجته أم سلمة - رضي الله عنهما - (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ؟ ") وفي بعض النسخ: "بنت أبي سلمة"، وهو بتقدير همزة الاستفهام، أي أبنت أمّ سلمة؟، وهو استفهام استثبات؛ لرفع الإشكال، أو استفهام إنكار، والمعنى: أنها إن كانت بنتَ أم سلمة من أمّ سلمة، فيكون تحريمها من وجهين، كما سيأتي بيانه، وإن كانت من غيرها فمن وجه واحد، وكأنّ أمّ حبيبة لم تطّلع على تحريم ذلك؛ إما لأن ذلك كان قبل نزول آية التحريم، وإما بعد ذلك، وظنّت أنه من خصائص النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. كذا قال الكرمانيّ (١).

قال الحافظ: والاحتمال الثاني هو المعتمد، والأول يدفعه سياق الحديث، وكأنّ أمّ حبيبة استدلّت على جواز الجمع بين الأختين بجواز الجمع بين المرأة وابنتها بطريق الأَولى؛ لأن الربيبة حَرُمت على التأبيد، والأخت حَرُمت في صورة الجمع فقط، فأجابها - صلى الله عليه وسلم - بأن ذلك لا يحلّ، وأن الذي بلغها من ذلك ليس بحقّ، وأنها تحرم عليه من جهتين (٢).

(قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("لَوْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي) أي بنت زوجتي، مشتقّةٌ من الربّ، وهو الإصلاح؛ لأنه يقوم بأمرها، وقيل: من التربية، وهو غلطٌ فاحشٌ، فإن من شرط الاشتقاق الاتّفاق في الحروف الأصليّة، ولام الكلمة، وهو الحرف الأخير مختلف، فإن آخر "ربّ" باء موحّدة، وفي آخر "ربي" ياء مثنّاة من تحتُ، قاله النوويّ (٣).

(فِي حِجْرِي) راعَى فيه لفظ الآية، وإلا فلا مفهوم له، كذا عند الجمهور، وأنه خرج مخرج الغالب، وسيأتي تمام البحث فيه قريبًا، وفي رواية عراك، عن زينب بنت أمّ سلمة، عند الطبرانيّ: "لو لم أنكح أمّ سلمة ما حلّت لي، إن أباها أخي من الرضاعة"، ووقع في رواية ابن عيينة، عن هشام: "والله لو لم تكن ربيبتي ما حلّت لي"، فذكر ابن حزم أن منهم من احتجّ به على أن لا فرق بين اشتراط كونها في الحجر أو لا، وهو ضعيف؛ لأن القصّة واحدةٌ، والذين زادوا فيها لفظ: "في حجري" حفّاظ أثبات.


(١) راجع: "شرح البخاريّ" له ٩/ ٧٨ - ٧٩.
(٢) "الفتح" ١١/ ٣٧٨.
(٣) "شرح النوويّ" ١٠/ ٢٦.