للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[والجواب]: أن أصحاب عائشة الذين هم أعلم بها من نافع، وهم: عروة، والقاسم، وعمرة رووا عنها خمس رضعات، ولم يَرو أحدٌ منهم عشر رضعات، وقد رُوي عنها سبع رضعات، وقد روي عنها عشر رضعات، والصحيح عنها خمس رضعات، ومن روى أكثر من خمس رضعات، فقد وَهِم؛ لأنه قد صحّ عنها أن الخمس الرضعات المعلومات نَسخن العشر المعلومات، فمحالٌ أن تقول بالمنسوخ، وهذا لا يصحّ عنها عند ذي فهم. وفي حديثها المسند أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر سهلة بنت سُهيل امرأة أبي حذيفة أن تُرضع سالمًا مولى أبي حذيفة خمس رضعات، قال عروة: فأخذت بذلك عائشة، فكيف يَقبَل أحدٌ عنها أنها أفتت بعد موت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بعشر رضعات؟ هذا لا يقبله من أنصف نفسه، ووُفِّق لرشده، ولو صحَّ عنها حديث نافع، عن سالم في العشر كان غيره معارضًا له بالخمس. انتهى كلام ابن عبد البرّ - رحمه الله - (١).

وقال النوويّ - رحمه الله - بعد ذكر الاختلافات نحو ما تقدّم -: فأما الشافعيّ وموافقوه، فأخذوا بحديث عائشة - رضي الله عنها -: "خمس رضعات معلومات"، وأخذ مالك بقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ}، ولم يذكر عددًا، وأخذ داود بمفهوم حديث: "لا تُحَرِّم المصّة، والمصّتان"، وقال: هو مبيّن للقرآن.

واعتَرَض أصحاب الشافعيِّ على المالكية، فقالوا: إنما كانت تحصل الدلالة لكم لو كانت الآية: واللاتي أرضعنكم أمهاتكم.

واعتَرَض أصحاب مالك على الشافعية، بأن حديث عائشة - رضي الله عنها - هذا لا يُحْتَجّ به عندكم، وعند محققي الأصوليين؛ لأن القرآن لا يثبت بخبر الواحد، وإذا لم يثبت قرآنًا لَمْ يثبت بخبر الواحد عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن خبر الواحد إذا توجه إليه قادح، يوقف عن العمل به، وهذا إذا لم يجئ إلا بآحاد، مع أن العادة مجيئه متواترًا توجب ريبة، والله أعلم.

واعتَرَضت الشافعية على المالكية بحديث المصّة والمصّتان، وأجابوا عنه بأجوبة باطلة، لا ينبغي ذكرها، لكن ننبّه عليها خوفًا من الاغترار بها.


(١) "الاستذكار" ١٨/ ٢٥٩ - ٢٦٧.