للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وخالف في ذلك الليث، وأهل الظاهر، فقالوا: إن الرضاعة المحرمة إنما تكون بالْتِقَام الثدي، ومصّ اللبن منه.

٥ - (ومنها): أنه استُدلّ به على أن الرضاعة إنما تُعتبر في حال الصغر؛ لأنها الحال الذي يمكن طرد الجوع فيها باللبن بخلاف حال الكبر، وضابط ذلك تمام الحولين، وعليه يدلّ حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -، رفعه: "لا رضاع إلا ما كان في الحولين"، أخرجه الدارقطنيّ، وقال: لم يُسنده عن ابن عيينة غير الهيثم بن جميل، وهو ثقة حافظ، وأخرجه ابن عديّ، وقال: غير الهيثم يوقفه على ابن عباس، وهو المحفوظ، وحديث أمّ سلمة - رضي الله عنها -: "لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء، وكان قبل الفطام"، صححه الترمذيّ، وابن حبّان.

وقال القرطبيّ: في قوله: "فإنما الرضاعة من المجاعة" تثبيت قاعدة كلّيّة صريحة في اعتبار الرضاع في الزمن الذي يستغني به الرضيع عن الطعام باللبن، ويعتضد بقوله تعالى: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}، فإنه يدلّ على أن هذه المدّة أقصى مدّة الرضاع المحتاج إليه عادةً المعتبر شرعًا، فما زاد عليه لا يُحتاج إليه عادةً، فلا يُعتبر شرعًا، إذ لا حكم للنادر، وفي اعتبار إرضاع الكبير انتهاك حرمة المرأة بارتضاع الأجنبيّ منها؛ لاطلاعه على عورتها، ولو بالتقامه ثديها.

يعني على الغالب، وأيضًا على مذهب من يشترط التقام الثدي، والله تعالى أعلم.

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "انتهاك حرمة المرأة" هذا غير مقبول، بل هو باطلٌ؛ لمصادمته النصّ الصحيح: "أرضعيه تحرمي عليه"، بعد أن قالت له: إنه رجل كبير، ذو لحية، فكيف يقال بعد أمر الشارع: إنه انتهاك لحرمة المرأة؟ هذا رأي مرفوض، بل الحقّ كما أسلفنا تحقيقه أن رضاع الكبير عند الحاجة الماسّة جائز، ويقع به التحريم، كما هو النصّ الصحيح الصريح، فتبصّر بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

[تنبيه]: مذهب عائشة - رضي الله عنها - كما سبق - أنها لا تفرّق في حكم الرضاع بين حال الصغر والكبر، وقد استُشكل ذلك مع كون هذا الحديث من روايتها، واحتجّت هي بقصّة سالم مولى أبي حُذيفة، فلعلّها فهمت من قوله: "إنما الرضاعة من المجاعة" اعتبار مقدار ما يسدّ الجوعة من لبن المرضعة لمن