للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وتأثّم، وتهجّد: إذا ترك الْهُجُود، ومن هذا الباب ما وردَ بلفظ الدعاء، ولا يُراد به الدعاء، بل الحثّ، والتحريض، كقوله: "تَرِبت يداك"، و"عَقْرَى حَلْقَى"، وما أشبه ذلك. انتهى (١).

(منْ غِشْيَانِهِنَّ) متعلّقٌ بـ "تحرّجوا" يعني أنهم خافوا الوقوع في الحرج، وهو الإثم بسبب غشيانهنّ، أي وطئهنّ (مِنْ أَجْلِ أَزْوَاجِهِنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أي من أجل أنهنّ ذوات أزواج، والمزوّجة لا تحلّ لغير زوجها، قال القرطبيّ: أي ظنّوا أن نكاح أزواجهنّ لم تنقطع عصمته. انتهى (٢).

(فَأَنْزَلَ اللهُ في ذَلِكَ) أي في شأن بيان جواز وطء من تحرّجوا فيهنّ، وقوله: ({وَالْمُحْصَنَاتُ}) هو في الأصل مرفوع عطفًا على المحرمات السابقة في قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} الآية [النساء: ٢٣]، وأما هنا فهو في محلّ نصب على أنه مفعول به لـ "أنزَل" محكيّ؛ لقصد لفظه.

والمعنى: حرّمت عليكم نكاح المحصنات، والمراد بالمحصنات هنا المزوّجات، ومعناه: والمزوّجات حرام على غير أزواجهنّ، إلا ما ملكتم بالسبي، فإنه ينفسخ نكاح أزواجهنّ الكفّار، وتحلّ لكم، إذا انقضى استبراؤها.

وقال أبو العبّاس القرطبيّ - رحمه الله - في "المفهم": الْمُحْصَنة: اسم مفعول من أُحصنت، وأصل الإحصان المنع، ومنه الحِصْن الذي يُمتنع فيه، والفرس حِصَانٌ؛ لأنه يُتحصّن عليه، وتطلق الْمُحصَنة على ذات الزوج؛ لأن الزوج منعها من غيره، وعلى العفيفة؛ لأنها منعت نفسها من الفواحش، وعلى الحرّة؛ لأنها تمنعها مما يتعاطاه العبيد، أي هنّ ممن حرّم عليكم، ثم استثنى بقوله: {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٢٤]. انتهى (٣).

وقال أبو عبد الله القرطبيّ - رحمه الله - في "تفسيره": والتحصّن التمنّع، ومنه الحِصن؛ لأنه يُمتنع فيه، ومنه قوله تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ} [الأنبياء: ٨٠]، أي لتمنعكم، ومنه الحِصان للفرس - بكسر الحاء - لأنه يَمنع صاحبه من الهلاك، والْحَصَان - بفتح الحاء - المرأة العفيفة


(١) "المصباح المنير" ١/ ١٢٧ - ١٢٨.
(٢) "المفهم" ٤/ ١٩٣.
(٣) "المفهم" ٤/ ١٩١.