للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لمنعها نفسها من الهلاك، وحَصُنت المرأةُ تَحصُنُ، فهي حَصَانٌ، مثلُ جبُنت فهي جَبَان، وقال حسّان في عائشة - رضي الله عنهما -[من الطويل]:

حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِريبةٍ … وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ

والمصدر الْحَصَانة - بفتح الحاء - والحِصن كالعلم. انتهى (١).

وقال السمين الحلبيّ - رحمه الله - في "تفسيره": قرأ الجمهور هذه اللفظة، سواء كانت معرّفةً بـ "أل"، أم نكرةً بفتح الصاد، والكسائيّ بكسرها في جميع القرآن، إلا قوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٢٤] فإنه وافق الجمهور، فأما الفتح، ففيه وجهان:

أشهرهما: أنه أُسند الإحصان إلى غيرهنّ، وهو إما الأزواج، أو الأولياء، فإن الزوج يُحْصِن امرأته، أي يُعفّها، والوليّ يُحصنها بالتزويج، والله يُحصنها بذلك.

والثاني: أن هذا المفتوح الصاد بمنزلة المكسور، يعني أنه اسم فاعل، وإنما شذّ فتح عين اسم الفاعل في ثلاثة ألفاظ: أحصَنَ، فهو مُحصَن، وألفج، فهو مُلْفَج (٢)، وأسهَبَ (٣)، فهو مُسْهَب.

وأما الكسر، فإنه أسند الإحصان إليهنّ؛ لأنهنّ يُحصِنّ أنفسهنّ بعفافهنّ، أو يُحصِنّ فروجهنّ بالحفظ، أو يُحصِنّ أزواجهنّ.

وقد ورد الإحصان في القرآن لأربعة معان: الأول: التزوج، كما في هذه الآية، وكما في قوله تعالى: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} [النساء: ٢٤]. الثاني: الحرّيّة، كما في قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا} الآية [النساء: ٢٥]. الثالث: الإسلام، كما في قوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} قيل في تفسيره: أسلمن. الرابع: العفّة، كما في قوله تعالى: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ} [النساء: ٢٥]. انتهى (٤).

({مِنَ النِّسَاءِ}) في محلّ نصب على الحال ({إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ})


(١) "الجامع لأحكام القرآن" ٥/ ١٢٠.
(٢) يقال: ألفج، فهو مُلْفَجٌ بفتح اللام: إذا أفلس. اهـ. "القاموس".
(٣) أي أكثر الكلام.
(٤) "الدرّ المصون في علم كتاب الله المكنون" ٢/ ٣٤٤ بزيادة من "حاشية الجمل" ١/ ٣٧١.