للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أو أكثر، لم يلحقه؛ لعدم إمكان كونه منه، وكذا لو اجتمعا، لكن أتت به لأقلّ من ستة أشهر من حين إمكان اجتماعهما لم يلحقه أيضًا، هذا مذهب مالك، والشافعيّ، وأحمد، والعلماء كافّة، إلا أبا حنيفة، فلم يشترط الإمكان، بل اكتفى بمجرّد العقد، حتى لو طلّق عقب العقد من غير إمكان وطء، فولدت لستة أشهر من العقد لحقه الولد.

قال النوويّ: وهذا ضعيفٌ، ظاهر الفساد، ولا حجة له في إطلاق الحديث؛ لأنه خرج على الغالب، وهو حصول الإمكان عند العقد (١).

وقال أبو العبّاس القرطبيّ: الفراش هنا كناية عن الموطوءة؛ لأن الواطئ يستفرشها، أي يُصيّرها كالفراش، ويعني به أن الولد لاحقٌ بالواطئ، قال الإمام: وأصحاب أبي حنيفة يحملونه على أن المراد به صاحب الفراش، ولذلك لم يشترطوا إمكان الوطء في الحرّة، واحتجّوا بقول جرير [من الكامل]:

بَاتَتْ تُعَانِقُهُ وَبَاتَ فِرَاشُهَا … خَلَقَ الْعَبَاءَةِ فِي الدِّمَاءِ قَتِيلَا

يعني زوجها، والأول أولى؛ لما ذكرناه من الاشتقاق، ولأن ما قدّره من حذف المضاف ليس في الكلام ما يدلّ عليه، ولا ما يُحوج إليه. انتهى (٢).

قال الحافظ: وفهم بعض الشرّاح - يريد به ولي الدين العراقيّ - عن القرطبيّ خلاف مراده، فقال: كلامه يقتضي حصول مقصود الجمهور بمجرّد كون الفراش هو الموطوءة، وليس هو المراد، فعُلم أنه لا بدّ من تقدير محذوف؛ لأنه قال: إن الفراش هو الموطوءة، والمراد به أن الولد لا يلحق بالواطئ، قال المعترض: وهذا لا يستقيم إلا مع تقدير المحذوف. قلت: وقد بيّنت وجه استقامته بحمد الله، ويؤيد ذلك أيضًا أن ابن الأعرابيّ اللغويّ نقل أن الفراش عند العرب يعبّر به عن الزوج، وعن المرأة، والأكثر إطلاقه على المرأة، ومما ورد في التعبير عن الرجل قول جرير، فيمن تزوّجت بعد قتل زوجها، أو سيّدها [من الكامل]:

بَاتَتْ تُعَانِقُهُ وَبَاتَ فِرَاشُهَا … خَلَقَ الْعَبَاءَةِ بِالْبَلَاءِ ثَقِيلَا

وقد يُعبّر به عن حالة الافتراش، ويمكن حمل الخبر عليها، فلا يتعيّن الحذف.


(١) "شرح النوويّ" ١٠/ ٣٧.
(٢) "المفهم" ٤/ ١٩٦.