و (الدارقطنيّ) في "سننه"(٤/ ٤٦)، و (البيهقيّ) في "الكبرى"(٧/ ٣٣٧)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في اختلاف أهل العلم في حكم الطلاق الثلاث:
قال النوويّ - رحمه الله - ما حاصله: اختَلَف العلماء فيمن قال لامرأته: أنت طالق ثلاثًا، فقال الشافعيّ، ومالك، وأبو حنيفة، وأحمد، وجماهير العلماء من السلف والخلف: يقع الثلاث، وقال طاوس، وبعض أهل الظاهر: لا يقع بذلك إلا واحدة، وهو رواية عن الحجاج بن أرطاة، ومحمد بن إسحاق، والمشهور عن الحجاج بن أرطاة أنه لا يقع به شيءٌ، وهو قول ابن مقاتل، ورواية عن محمد بن إسحاق.
واحتجّ هؤلاء بحديث ابن عباس هذا، وبأنه وقع في بعض روايات حديث ابن عمر أنه طلق امرأته ثلاثًا في الحيض، ولم يَحتسب به، وبأنه وقع في حديث رُكانة أنه طلَّق امرأته ثلاثًا، وأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برجعتها.
واحتجّ الجمهور بقوله تعالى:{وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}[الطلاق: ١]، قالوا: معناه أن المطلِّق قد يَحْدُث له ندم، فلا يمكنه تداركه؛ لوقوع البينونة، فلو كانت الثلاث لا تقع لم يقع طلاقه هذا إلا رجعيًّا فلا يندم.
واحتجوا أيضًا بحديث رُكانة أنه طلق امرأته البتة، فقال له النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "ما أردت إلا واحدةً؟ "، قال: والله ما أردت إلا واحدةً، فهذا دليل على أنه لو أراد الثلاث لوقعن، وإلا فلم يكن لتحليفه معنى.
وأما الرواية التي رواها المخالفون أن ركانه طلق ثلاثًا، فجعلها واحدةً، فرواية ضعيفة عن قوم مجهولين، وإنما الصحيح منها ما قدمناه أنه طلقها البتة، ولفظ البتة مُحْتَمِلٌ للواحدة وللثلاث، ولعل صاحب هذه الرواية الضعيفة اعتقد أن لفظ البتة يقتضي الثلاث، فرواه بالمعنى الذي فهمه، وغَلِط في ذلك.
وأما حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -، فالروايات الصحيحة التي ذكرها مسلم وغيره أنه طلقها واحدةً.
وأما حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -، فاختَلَف العلماء في جوابه، وتأويله، فالأصح أن معناه أنه كان في أول الأمر إذا قال لها: أنت طالق، أنت طالق،