للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لفظ واحد، لم يجعل له مخرجًا؛ لوقوع البينونة بها مجتمعةً، هذا هو معنى كلامه الذي لا يَحْتَمِل غيره، وهو قويّ جدًّا في محل النزاع؛ لأنه مفسِّر به قرءانًا، وهو ترجمان القرءان، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم علِّمه التأويل"، وعلى هذا القول جلُّ الصحابة، وأكثر العلماء، منهم الأئمة الأربعة، وحَكَى غير واحد عليه الإجماع.

واحتَجّ المخالفون بأربعة أحاديث:

[الأول]: حديث ابن إسحاق عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، عند أحمد، وأبي يعلى، وصححه بعضهم، قال: طلَّق رُكانة بن عبد يزيد امرأته ثلاثًا في مجلس واحد، فحَزِن عليها حُزْنًا شديدًا، فسأله النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كيف طلقتها؟ قال: ثلاثًا في مجلس واحد، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إنما تلك واحدةٌ، فارتَجِعْهَا، إن شئت"، فارتَجَعَهَا.

قال الشيخ - رحمه الله -: الاستدلال بهذا الحديث مردود من ثلاثة أوجه:

الأول: أنه لا دليل فيه البتة على محل النزاع على فرض صحته، لا بدلالة المطابقة، ولا بدلالة التضمن، ولا بدلالة الالتزام؛ لأن لفظ المتن أن الطلقات الثلاث واقعةٌ في مجلس واحد، ولا شك أن كونها في مجلس واحد لا يلزم منه كونها بلفظ واحد، فادّعاء أنها لما كانت في مجلس واحد لا بدّ أن تكون بلفظ واحد في غاية البطلان، كما ترى؛ إذ لم يدلّ كونها في مجلس واحد على كونها بلفظ واحد بنقل، ولا عقل، ولا لغة، كما لا يخفى على أحد، بل الحديث أظهر في كونها ليست بلفظ واحد؛ إذ لو كانت بلفظ واحد لقال: بلفظ واحد، وترك ذكر المجلس؛ إذ لا داعي لترك الأخص، والتعبير بالأعم بلا موجِبٍ، كما ترى.

وبالجملة فهذا الدليل يُقْدَح فيه بالقادح المعروف عند أهل الأصول بـ "القول بالموجَب"، فيقال: سلّمنا أنها في مجلس واحد، ولكن من أين لك أنها بلفظ واحد؟ فافهم، وسترى تمام هذا المبحث - إن شاء الله - في الكلام على حديث طاوس عند مسلم.

الثاني: أن داود بن الحصين الذي هو راوي هذا الحديث عن عكرمة، ليس بثقة في عكرمة، قال ابن حجر في "التقريب": داود بن الحصين الأمويّ