للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ما نصّه: قلت: نقل النوويّ هذا الفصل في "شرح مسلم"، وأقرّه، وهو متعقَّبٌ في مواضع:

أحدها: أن الذي ادَّعَى نسخ الحكم لم يقل: إن عمر هو الذي نسخ حتى يلزم منه ما ذُكر، وإنما قال ما تقدم: يُشبه أن يكون عَلِم شيئًا من ذلك نَسَخَ؛ أي: اطلع على ناسخ للحكم الذي رواه مرفوعًا، ولذلك أفتى بخلافه، وقد سَلَّم المازريّ في أثناء كلامه أن إجماعهم يدل على ناسخ، وهذا هو مراد من ادَّعَى النسخ.

الثاني: إنكاره الخروج عن الظاهر عجيبٌ، فإن الذي يحاول الجمع بالتأويل، يرتكب خلاف الظاهر حتمًا.

الثالث: أن تغليطه من قال: المراد ظهور النسخ عجيبٌ أيضًا؛ لأن المراد بظهوره: انتشاره، وكلام ابن عباس أنه كان يُفعل في زمن أبي بكر محمول على أن الذي كان يفعله من لم يبلغه النسخ، فلا يلزم ما ذُكر من إجماعهم على الخطإ. انتهى محل الحاجة من "فتح الباري" بلفظه.

ولا إشكال فيه لأن كثيرًا من الصحابة اطَّلَع على كثير من الأحكام لم يكن يعلمه، وقد وقع ذلك في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان، فأبو بكر لم يكن عالِمًا بقضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ميراث الجدة، حتى أخبره المغيرة بن شعبة، ومحمد بن مسلمة، وعمر لم يكن عنده علم بقضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دية الجنين، حتى أخبره المذكوران قبلُ، ولم يكن عنده علم من أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجزية من مجوس هجر، حتى أخبره عبد الرحمن بن عوف، ولا من الاستئذان ثلاثًا، حتى أخبره أبو موسى الأشعريّ، وأبو سعيد الخدريّ، وعثمان لم يكن عنده علم بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوجب السكنى للمتوفى عنها زمن العدة، حتى أخبرته فُريعة بنت مالك، والعباس بن عبد المطلب، وفاطمة الزهراء - رضي الله عنهما - لم يكن عندهما علم بأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنا معاشر الأنبياء لا نورث. . ." الحديث، حتى طلبا ميراثهما من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأمثال هذا كثيرة جدًّا.

وأوضح دليل يزيل الإشكال عن القول بالنسخ المذكور وقوع مثله، واعتراف المخالف به في نكاح المتعة، فإن مسلمًا روى عن جابر - رضي الله عنه - أن متعة النساء كانت تُفعل في عهد النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وأبي بكر، وصدرًا من خلافة عمر،