الصحابة الأجلاء العلماء صح عنهم القول بذلك؛ كابن عباس، وعمر، وابن عمر، وخلق لا يحصى.
والناسخ الذي نسخ المراجعة بعد الثلاث: قال بعض العلماء: إنه قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ}، كما جاء مبيَّنًا في الروايات المتقدمة.
ولا مانع عقلًا، ولا عادةً من أن يَجهل مثلَ هذا الناسخ كثيرٌ من الناس إلى خلافة عمر - رضي الله عنه -، كما جهل كثير من الناس نكاح المتعة إلى خلافة عمر مع أنه - صلى الله عليه وسلم - صرَّح بنسخها، وتحريمها إلى يوم القيامة في غزوة الفتح، وفي حجة الوداع أيضًا، كما جاء في رواية عند مسلم.
ومع أن القرءان دلّ على تحريم غير الزوجة، والسُّرّيّة بقوله: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: ٥، ٦]، ومعلوم أن المرأة المتمتَّع بها ليست بزوجة، ولا سُرِّيّة.
والذين قالوا بالنسخ قالوا في معنى قول عمر:"إن الناس استعجلوا في أمر، كانت لهم فيه أَنَاةٌ": إن المراد بالأناة أنهم كانوا يتأنّون في الطلاق، فلا يوقعون الثلاث في وقت واحد، ومعنى استعجالهم: أنهم صاروا يوقعونها بلفظ واحد على القول بأن ذلك هو معنى الحديث، وقد قدّمنا أنه لا يتعيّن كونه هو معناه، وإمضاؤه له عليهم إِذَنْ هو اللازم، ولا ينافيه قوله: فلو أمضيناه عليهم، يعني ألزمناهم بمقتضى ما قالوا.
ونظيره قول جابر عند مسلم في نكاح المتعة:"فنهانا عنها عمر"، فظاهر كلّ منهما أنه اجتهاد من عمر، والنسخ ثابت فيهما معًا، كما رأيت، وليست الأناة في المنسوخ، وإنما هي في عدم الاستعجال بإيقاع الثلاث دفعةً.
وعلى القول الأول: إن المراد بالثلاث التي كانت تُجعل واحدة: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، فالظاهر في إمضائه لها عليهم أنه من حيث تغيُّر قصدهم، من التأكيد إلى التأسيس، كما تقدم، ولا إشكال في ذلك.
أما كون عمر كان يَعْلَم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجعل الثلاث بلفظ واحد واحدةً، فتعمّد مخالفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وجعلها ثلاثًا، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة، فلا يخفى بُعْده، والعلم عند الله تعالى.
(الجواب الرابع): عن حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رواية طاوس، عن ابن عباس مخالفةٌ لما رواه عنه الحفاظ من أصحابه، فقد روى عنه لزوم الثلاث