دفعةً: سعيدُ بن جبير، وعطاءُ بن أبي رباح، ومجاهدٌ، وعكرمةُ، وعمرو بن دينار، ومالك بن الحرث، ومحمد بن إياس بن البكير، ومعاوية بن أبي عياش الأنصاريّ، كما نقله البيهقيّ في "السنن الكبرى"، والقرطبيّ وغيرهما.
وقال البيهقيّ في "السنن الكبرى": إن البخاريّ لم يُخرج هذا الحديث؛ لمخالفة هؤلاء لرواية طاوس، عن ابن عباس.
وقال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن حديث ابن عباس: "كان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبي بكر، وعمر - رضي الله عنهما - طلاق الثلاث واحدةً"، بأيّ شيء تدفعه؟ قال: برواية الناس عن ابن عباس من وجوه خلافه، وكذلك نقل عنه ابن منصور، قاله ابن القيّم.
قال الشيخ - رحمه الله -: فهذا إمام المحدثين، وسيد المسلمين في عصره الذي تدارك الله به الإسلام بعد ما كاد تتزلزل قواعده، وتغيَّر عقائده، أبو عبد الله أحمد بن حنبل - رحمه الله - قال للأثرم، وابن منصور: إنه رَفَضَ حديث ابن عباس قصدًا؛ لأنه يرى عدم الاحتجاج به في لزوم الثلاث بلفظ واحد؛ لرواية الحفاظ عن ابن عباس ما يخالف ذلك.
وهذا الإمام محمد بن إسماعيل البخاريّ، وهو هو ذكر عنه الحافظ البيهقيّ أنه ترك هذا الحديث عمدًا لذلك الموجِب الذي تركه من أجله الإمام أحمد، ولا شك أنهما ما تركاه إلا لموجِبٍ يقتضي ذلك.
فإن قيل: رواية طاوس في حكم المرفوع، ورواية الجماعة المذكورين موقوفة على ابن عباس، والمرفوع لا يعارض بالموقوف.
فالجواب: أن الصحابيّ إذا خالف ما رَوَى، ففيه للعلماء قولان، وهما روايتان عن أحمد - رحمه الله -.
الأولى: أنه لا يُحتج بالحديث؛ لأن أعلم الناس به راويه، وقد ترك العمل به، وهو عدل عارفٌ، وعلى هذه الرواية فلا إشكال.
وعلى الرواية الأخرى التي هي المشهورة عند العلماء: أن العبرة بروايته، لا بقوله، فإنه لا تقدم روايته، إلا إذا كانت صريحة المعنى، أو ظاهرةً فيه ظهورًا يضعف معه احتمال مقابله، أما إذا كانت محتملة لغير ذلك المعنى احتمالًا قويًّا، فإن مخالفة الراوي لما رَوَى تدلّ على أن ذلك المحتمل الذي