للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تُرك ليس هو معنى ما رَوَى، وقد قدمنا أن لفظ طلاق الثلاث في حديث طاوس المذكور مُحْتَمِلٌ احتمالًا قويًّا لأن تكون الطلقات مفرّقةً، كما جزم به النسائيّ، وصححه النوويّ، والقرطبيّ، وابن سُريج.

فالحاصل أن ترك ابن عباس لجعل الثلاث بفم واحد واحدةً يدلّ على أن معنى الحديث الذي رَوَى ليس كونها بلفظ واحد، كما سترى بيانه في كلام القرطبيّ في "المفهم" في الجواب الذي بعد هذا.

واعلم أن ابن عباس - رضي الله عنهما - لم يثبت عنه أنه أفتى في الثلاث بفم واحد أنها واحدةٌ، وما رَوَى عنه أبو داود من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة أن ابن عباس قال: إذا قال: أنت طالق ثلاثًا بفم واحد، فهي واحدةٌ، فهو معارَضٌ بما رواه أبو داود نفسه من طريق إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن عكرمة؛ أن ذلك من قول عكرمة، لا من قول ابن عباس، وترجح رواية إسماعيل بن إبراهيم على رواية حماد بموافقة الحفاظ لإسماعيل في أن ابن عباس يجعلها ثلاثًا لا واحدةً.

(الجواب الخامس): هو ادّعاء ضعفه، وممن حاول تضعيفه ابن العربي المالكيّ، وابن عبد البرّ، والقرطبيّ.

قال ابن العربي المالكيّ: زَلَّ قوم في آخر الزمان، فقالوا: إن الطلاق الثلاث في كلمة لا يلزم، وجعلوه واحدةً، ونسبوه إلى السلف الأول، فحَكَوه عن عليّ، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وابن مسعود، وابن عباس، وعزوه إلى الحجاج بن أرطاة الضعيف المنزلة المغموز المرتبة، ورووا في ذلك حديثًا ليس له أصل، وغَوَى قوم من أهل المسائل، فتتبعوا الأهواء المبتدعة فيه، وقالوا: إن قوله: أنت طالق ثلاثًا كَذِبٌ؛ لأنه لم يطلق ثلاثًا، كما لو قال: طلقت ثلاثًا، ولم يطلق إلا واحدةً، وكما لو قال: أحلف ثلاثًا كانت يمينًا واحدةً.

ولقد طوَّفتُ في الآفاق، ولقيت من علماء الإسلام، وأرباب المذاهب كل صادق، فما سمعت لهذه المسألة بخبر، ولا أحسست لها بأثر، إلا الشيعة الذين يرون نكاح المتعة جائزًا، ولا يرون الطلاق واقعًا، ولذلك قال فيهم ابن سكرة الهاشميّ: