وفي رواية البخاريّ:"إذا حرّم الرجل امرأته، ليس بشيء"، وقوله:"ليس بشيء" يَحْتَمِلُ أن يريد بالنفي التطليقَ، ويَحْتَمِل أن يريد به ما هو أعمّ من ذلك، والأول أقرب، ويؤيده قوله بدلها في هذه الرواية:"فهي يمين يكفّرها"، ولفظ الإسماعيليّ:"إذا حرّم الرجل امرأته، فإنما هي يمين يكفِّرها"، فعُرف أن المراد بقوله:"ليس بشيء" أي: ليس بطلاق، وأخرج النسائيّ، وابن مردويه، من طريق سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس؛ أن رجلًا جاءه، فقال: إني جعلت امرأتي عليّ حرامًا، قال: كذبت، ما هي عليك بحرام، ثم تلا:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}[التحريم: ١]، ثم قال له: عليك رقبة. انتهى. وكأنه أشار عليه بالرقبة؛ لأنه عَرَف أنه موسر، فأراد أن يكفر بالأغلظ من كفارة اليمين، لا أنه تعيّن عليه عتق الرقبة، ويدل عليه ما وقع من التصريح بكفارة اليمين، أفاده في "الفتح"(١).
(وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) - رضي الله عنهما - مستدلّا على ما ذهب إليه بقوله تعالى:({لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب: ٢١]) يشير بذلك إلى قصّة التحريم الآتي في حديث عائشة - رضي الله عنها - بعد حديث.
وقد اختُلف هل المراد تحريم العسل الآتي في حديث عائشة - رضي الله عنها -، أو تحريم مارية؟ فقد أخرج النسائيّ بسند صحيح، عن أنس - رضي الله عنه - أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كانت له أمة يطؤها، فلم تزل به حفصة وعائشة، حتى حرّمها، فأنزل الله تعالى هذه الآية:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} الآية، قال في "الفتح": وهذا أصحّ طرق هذا السبب، وله شاهد مرسل، أخرجه الطبريّ بسند صحيح، عن زيد بن أسلم التابعيّ الشهير، قال: أصاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم إبراهيم ولدِهِ في بيت بعض نسائه، فقالت: يا رسول الله في بيتي، وعلى فراشي، فجعلها عليه حرامًا، فقالت: يا رسول الله كيف تُحَرِّم عليك الحلال؟ فحلف لها بالله لا يصيبها، فنزلت:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}[التحريم: ١]، قال زيد بن أسلم: فقول الرجل لامرأته: أنت عليّ حرام لغوٌ، وإنما تلزمه كفارة يمين إن حلف. انتهى.