وقال في "الفتح" أيضًا في "كتاب التفسير": والغرض من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قوله فيه:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب: ٢١]، فإن فيه إشارةً إلى سبب نزول أول هذه السورة، وإلى قوله فيها:{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}[التحريم: ٢]، وقد وقع في بعض حديث ابن عباس، عن عمر في القصة المطوّلة الآتية في الباب التالي:"فعاتبه الله في ذلك، وجعل له كفارة اليمين"، واختُلِف في المراد بتحريمه، ففي حديث عائشة - رضي الله عنها - أن ذلك بسبب شربه - صلى الله عليه وسلم - العسلَ عند زينب بنت جحش، فإن في آخره:"ولن أعود له، وقد حلفتُ".
ووقع عند سعيد بن منصور بإسناد صحيح إلى مسروق قال: حلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحفصة لا يقرب أَمَته، وقال:"هي عليّ حرام"، فنزلت الكفارة ليمينه، وأُمر أن لا يُحَرِّم ما أحل الله.
وأخرج الضياء في "المختارة" من مسند الهيثم بن كُليب، ثم من طريق جرير بن حازم، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحفصة:"لا تخبري أحدًا أن أم إبراهيم عليّ حرام"، قال: فلم يَقْرَبها حتى أخبرت عائشةَ، فأنزل الله:{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}.
وأخرج الطبرانيّ في "عشرة النساء"، وابن مردويه من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمارية بيت حفصة، فجاءت، فوجدتها معه، فقالت: يا رسول الله في بيتي تفعل هذا معي، دون نسائك؟ فذكر نحوه.
وللطبراني من طريق الضحاك، عن ابن عباس قال: دخلت حفصة بيتها، فوجدته يطأ مارية، فعاتبته، فذكر نحوه، وهذه طرق يقوي بعضها بعضًا، فيَحْتَمِل أن تكون الآية نزلت في السببين معًا.
وقد روى النسائيّ من طريق حماد، عن ثابت، عن أنس هذه القصة مختصرةً أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كانت له أمة يطؤها، فلم تزل به حفصة وعائشة، حتى حرّمها، فأنزل الله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} الآية. انتهى (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.