للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والأسواق، والأسفار، منتقبات؛ لئلا يراهنّ الرجال، ولم يؤمر الرجال قطّ بالانتقاب لئلا يراهم النساء، فدلّ على تغاير الحكم بين الطائفتين، وبهذا احتجّ الغزاليّ على الجواز، فقال: لسنا نقول: إن وجه الرجل في حقّها عورةٌ كوجه المرأة في حقّه، بل هو كوجه الأمرد في حقّ الرجل، فيحرم النظر عند خوف الفتنة فقط، وإن لم تكن فتنة فلا؛ إذ لم يزل الرجال على ممرّ الزمان مكشوفي الوجوه، والنساء يخرجن منتقبات، فلو استووا لأُمر الرجال بالتنقّب، أو منعن من الخروج. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي ذهب إليه البخاريّ، وحقّقه الغزاليّ، وأقرّه الحافظ - رحمهم الله تعالى - هو الحقّ الحقيق بالقبول، حيث دلّ عليه صحيح المنقول، وما عداه، كحديث أم سلمة - رضي الله عنها - المذكور يُحْمَل على الاحتياط، ولا سيّما في حقّ أزواج النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقد قال الله تعالى: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} الآية [الأحزاب: ٣٢]، وقد أمر الله تعالى أن لا يُكَلّمن إلا من وراء حجاب، متجالّات كنّ، أو غير متجالّات، والحجاب عليهنّ أشدّ منه على غيرهنّ؛ لظاهر القرآن، وحديث نبهان المذكور، كما أشار إلى ذلك ابن عبد البرّ - رحمه الله - (٢).

وكذا قوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} الآية [النور: ٣١] محمول على الاستحباب، أو على خوف الفتنة، وإلى ذلك أشار البخاريّ - رحمه الله - حيث قال: "من غير ريبة".

والحاصل أن نظر المرأة إلى الرجال الأجانب جائز عند أمن الخوف من الفتنة، فتبصّر بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد، والله تعالى أعلم بالصواب.

٧ - (ومنها): أن الخِطبة المنهيّ عنها في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولا يخطب على خطبة أخيه" محمول على ما إذا كان هناك ركون وميل، ومقاربة، فأما إذا لم يوجد ذلك، فلا يُمنع، فقد قالت فاطمة: إن معاوية، وأبا جهم خطباني، فلم ينكر عليها النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك، بل خطبها مع ذلك لأسامة بن زيد، حيث لم يحصل منها ميل إليهما، ولا إلى أحد منهما.


(١) "الفتح" ١٠/ ٤٢٢.
(٢) راجع: "الاستذكار" ١٨/ ٨٢.