فيه؛ لئلا يحمله الميل إليه على ترجيح ما هو المرجوح، كما وقع لأبي السنابل، حيث أفتى سُبيعة أنَّها لا تحلّ بالوضع؛ لكونه خطبها، فمنعته، ورجا أنَّها إذا قبِلت ذلك منه، وانتظرت مضيّ المدّة حضر أهلها، فرغّبوها في زواجه، دون غيره، كما بُيّن في رواية أبي سلمة أنه خطبها رجلان: أحدهما شابّ، والآخر كهلٌ، فحطّت إلى الشابّ، فقال الكهل - هو أبو السنابل -: لَمْ تحلل، وكان أهلها غَيْبًا، فرجا إذا جاء أهلها أن يؤثروه بها.
٤ - (ومنها): ما كان في سُبيعة - رضي الله عنها - من الشهامة والفِطنة، حيث تردّدت فيما أفتاها به حتى حملها ذلك على استيضاح الحكم من الشارع، وهكذا ينبغي لمن ارتاب في فتوى المفتي، أو حكم الحاكم في مواضع الاجتهاد أن يبحث عن النصّ في تلك المسألة، قال الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ -: ولعلّ ما وقع من أبي السنابل من ذلك هو السرّ في إطلاق النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كَذَبَ في الفتوى المذكورة، كما أخرجه أحمد من حديث ابن مسعودمنه، على أن الخطأ قد يُطلق عليه الكذب، وهو في كلام أهل الحجاز كثير، وحمله بعض العلماء على ظاهره، فقال: إنما كذّبه؛ لأنه كان عالمًا بالقصّة، وأفتى بخلافه، حكاه ابن داود عن الشافعيّ في "شرح المختصر"، وهو بعيد.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله هذا البعض من زلّة الأقلام، بل من الخطأ الفادح، فلا ينبغي أن نقول: إن هذا الصحابيّ مع علمه بحكم الله تعالى أفتى بخلافه؛ لأجل أن ينال شهوته، حاشا لله، ثم حاشا لله، فالواجب علينا أن نؤول مثل هذا بما لا يتعارض مع منصب الصحبة، فنقول: إن الكذب معناه هنا الخطأ؛ أي: أخطأ في هذه الفتوي، لظنه الحكم كذلك، فليُتنبّه، والله الهادي إلى سواء السبيل.
٥ - (ومنها): أن فيه الرجوعَ في الوقائع إلى الأعلم.
٦ - (ومنها): مباشرة المرأة بنفسها السؤال عما ينزل بها، ولو كان مما تَستحي النساء من مثله، لكن خروجها من منزلها ليلًا يكون أستر لها، كما فعلت سُبيعة.
٧ - (ومنها): أن الحامل تنقضي عدّتها بالوضع على أي صفة كان، من مُضْغة، أو عَلَقَة، سواء استبان خلق الآدميّ، أم لا؛ لأنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رتّب الحلّ على