وأيضًا فحديث التي شَكَت عينها - وهو الثالث من الأحاديث المذكورة هنا - دالّ على الوجوب، وإلا لَمْ يمنع التداوي المباح.
وأجيب أيضًا بأن السياق يدلّ على الوجوب، فإن كلّ ما منع منه إذا دلّ دليلٌ على جوازه كان ذلك الدليل دالًّا بعينه على الوجوب؛ كالختان، والزيادة على الركوع في الكسوف، ونحو ذلك، قاله في "الفتح"(١).
(لِامْرَأَةٍ) تمسّك بمفهومه الحنفيّة، فقالوا: لا يجب الإحداد على الصغيرة، وذهب الجمهور إلى وجوب الإحداد عليها، كما تجب العدّة، وأجابوا عن التقييد بالمرأة أنه خرج مخرج الغالب، وعن كونها غير مكلّفة؛ لأن الولي هو المخاطب بمنعها مما تُمنع منه المعتدّة، ودخل في عموم قوله:"امرأة" المدخول بها، وغير المدخول بها حرّة كانت، أو أمة، ولو كانت مبعّضة، أو مكاتَبة، أو أم ولد إذا تُوُفّي عنها زوجها، لا سيّدها لتقييده في الخبر، خلافًا للحنفيّة.
(تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) استدلّ النسائيّ - رَحِمَهُ اللهُ - بهذا على اختصاص الإحداد بالمسلمة، فترجم بقوله:"تركُ الزينة للحادّة المسلمة، دون اليهوديّة والنصرانيّة"، وبه قال الحنفيّة، وبعض المالكيّة، وأبو ثور؛ وذلك لتقييده بالإيمان.
وأجاب الجمهور بأنه ذُكِر تاكيدًا للمبالغة في الزجر، فلا مفهوم له، كما يقال: هذا طريق المسلمين، وقد يسلكه غيرهم.
وأيضًا فالإحداد من حقّ الزوج، وهو ملتحق بالعدة في حفظ النسب، فتدخل الكافرة في ذلك بالمعنى كما دخل الكافر في النهي عن السَّوْم على سَوْم أخيه، ولأنه حقّ للزوجية، فأشبه النفقة والسكنى.
ونقل السبكيّ في فتاويه عن بعضهم أن الذميّة داخلة في قوله:"تؤمن بالله، واليوم الآخر"، ورَدّ على قائله، وبيّن فساد شبهته، فأجاد.
وقال النوويّ: قيّد بوصف الإيمان؛ لأن المتّصف به هو الذي ينقاد للشرع، قال ابن دقيق العيد: والأول أولى، وفي رواية عند المالكيّة أن الذّمّيّة