المتوفّى عنها تعتدّ بالأقراء، قال ابن العربيّ: هو قول من قال: لا إحداد عليها.
(تَحِدُّ) بضم أوله، من الإحداد رباعيًّا، وبفتحه، من الحدّ، ثلاثيًّا، وهو على حذف "أن" المصدريّة، ورفع الفعل، وهو مقيس، كما في قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ} الآية [الروم: ٢٤]، وهو في تأويل المصدر فاعل "يحلّ "؛ أي: لا يحل لها الإحداد (عَلَى مَيْتٍ) بسكون الياء، وتشديدها، واستُدِلّ به لمن قال: لا إحداد على امرأة المفقود؛ لأنه لَمْ تتحقّق وفاته، خلافًا للمالكية (فَوْقَ ثَلَاثٍ) يعني ثلاث ليال، ولذا ذكّر العدد؛ لكون المعدود مؤنَثًا، فتنبّه.
وقال ابن بطّال - رَحِمَهُ اللهُ -: أباح الشارع للمرأة أن تحدّ على غير الزوج ثلاثة أيام؛ لِمَا يَغْلِب من لَوْعة الحزن، ويهجُمُ من أليم الوجد، وليس واجبًا؛ للاتفاق على أن الزوج لو طالبها بالجماع لَمْ يحلّ لها منعه في تلك الحالة.
وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: ويستفاد منه أن المرأة إذا مات حميمها، فلها أن تمتنع من الزينة ثلاث ليال متتابعة، تبدأ بالعدد من الليلة التي تستقبلها إلى آخر ثالثها، فإن مات حميمها في بقيّة يوم أو ليلة الغتها، وحسبت من الليلة القابلة المستأنفة. انتهى (١).
(إِلَّا عَلَى زَوْجٍ) أُخِذَ من هذا الحصر أن لا يُزاد على الثلاث في غير الزوج أبًا كان أو غيره.
وأما ما أخرجه أبو داود في "المراسيل" من رواية عمرو بن شعيب "أن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رخّص للمرأة أن تحدّ على أبيها سبعة أيام، وعلى من سواه ثلاثة أيام"، فلو صحّ لكان خصوص الأب يخرج من هذا العموم، لكنه مرسلٌ، أو معضل؛ لأن جلّ رواية عمرو بن شعيب عن التابعين، ولم يرو عن أحد من الصحابة، إلَّا الشيء اليسير عن بعض صغار الصحابة.
ووهم بعض الشّرَّاح، فتعقّب أبا داود تخريجه في "المراسيل"، فقال: عمرو بن شُعيب ليس تابعيًّا، فلا يخرّج حديثه في المراسيل.