للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وهذا التعقّب مردود لما سبق؛ ولاحتمال أن يكون أبو داود كان لا يخصّ المراسيل (١) برواية التابعيّ، كما هو منقول عن غيره أيضًا.

واستُدلّ به للأصحّ عند الشافعيّة في أن لا إحداد على المطلّقة، فأما الرجعيّة، فلا إحداد عليها إجماعًا، وإنما الاختلاف في البائن، فقال الجمهور: لا إحداد عليها، وقالت الحنفيّة، وأبو عُبيد، وأبو ثور: عليها الإحداد؛ قياسًا على المتوفّى عنها، وبه قال بعض الشافعيّة، والمالكيّة.

واحتجَّ الأولون بأن الإحداد شُرع لأن تركه من التطيب، واللبس، والتزيّن، يدعو إلى الجماع، فمُنعت المرأة منه زجرًا لها عن ذلك، فكان ذلك ظاهرًا في حقّ الميت؛ لأنه يمنعه الموت عن منع المعتدّة منه عن التزويج، ولا تراعيه هي، ولا تخاف منه، بخلاف المطلّق الحيّ في كلّ ذلك، ومن ثَمّ وجبت العدّة على كلّ متوفّى عنها، وإن لَمْ تكن مدخولًا بها، بخلاف المطلّقة قبل الدخول، فلا إحداد عليها اتفاقًا، وبأن المطلّقة البائن يمكنها العود إلى الزوج بعينه بعقد جديد.

وتُعُقّب بأن الملاعنة لا إحداد عليها.

وأجيب بأن تركه لفقدان الزوج بعينه، لا لفقدان الزوجيّة.

واستُدلّ به على جواز الإحداد على غير الزوج من قريب ونحوه ثلاث ليال، فما دونها، وتحريمه فيما زاد عليها، وكأن هذا القدر أُبيح لأجل حظ النفس، ومراعاتها، وغلبة الطباع البشريّة، ولهذا تناولت أمّ حبيبة، وزينب بنت جحش - رضي الله عنهما - الطيب؛ لتخرجا عن عُهدة الاحداد، وصرّحت كلّ منهما بأنها لَمْ تتطيّب لحاجة، إشارةً إلى أن آثار الحزن باقيةٌ عندهما، لكنهما لَمْ يسعهما إلَّا امتثال الأمر.

(أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا") قال القرطبيّ: "أربعة" منصوب على الظرف، والعامل فيه "تحدّ"، و"عشرًا" معطوف عليه. انتهى (٢).


(١) قال الجامع: هذا هو الحقّ، فإنك لا ترى في عبارة أبي داود، وكذا النسائيّ إلَّا أنهم يُطلقون المرسل على المنقطع، ولا يعبّرون بلفظ المنقطعة، فتنبّه.
(٢) "المفهم" ٤/ ٢٨٤.