وأجاب بأن هذا الحديث شاذّ مخالفٌ للأحاديث الصحيحة، وقد أجمعوا على خلافه، قال: ويحتمل أن يقال: إن جعفرًا قُتل شهيدًا، والشهداء أحياء عند ربّهم، قال: وهذا ضعيف؛ لأنه لَمْ يرد في حقّ غير جعفر، من الشهداء، ممن قُطع بأنهم شُهداء، كما قُطع لجعفر، كحمزة بن عبد المطّلب عمه، وكعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر. انتهى كلام العراقيّ، ملخّصًا.
وأجاب الطحاويّ بأنه منسوخ، وأن الإحداد كان على المعتدة في بعض عدّتها في وقت، ثم أُمرت بالإحداد أربعة أشهر وعشرًا، ثم ساق أحاديث الباب، وليس فيها ما يدلّ على ما ادَّعاه من النسخ، لكنّه يُكثر من ادِّعاء النسخ بالاحتمال، فجرى على عادته، وَيحْتَمِل وراء ذلك أجوبة أخرى:
[أحدهما]: أن يكون المراد بالإحداد المقيّد بالثلاث قدرًا زائدًا على الإحداد المعروف، فَعَلَتْه أسماء مبالغة في حزنها على جعفر، فنهاها عن ذلك بعد الثلاث.
[ثانيها]: أنَّها كانت حاملًا، فوضعت بعد ثلاث، فانقضت العدّة، فنهاها بعدها عن الإحداد، ولا يمنع ذلك قوله في الرواية الأخرى:"ثلاثًا"؛ لأنه يُحمل على أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اطّلع على أن عدّتها تنقضي عند الثلاث.
[ثالثها]: لعله كان أبانها بالطلاق قبل استشهاده، فلم يكن عليها إحداد.
[رابعها]: أن البيهقيّ أَعَلّ الحديث بالانقطاع، فقال: لَمْ يثبت سماع عبد الله بن شدّاد من أسماء، وهذا تعليلٌ مدفوع، فقد صححه أحمد، لكنه قال: إنه مخالفٌ للأحاديث الصحيحة في الإحداد.
وهو مصير منه إلى أنه يُعلّه بالشذوذ، وذكر الأثرم أن أحمد سُئل عن حديث حنظلة، عن سالم، عن ابن عمر، رفعه:"لا إحداد فوق ثلاث"؟ فقال: هذا منكر، والمعروف عن ابن عمر من رأيه. انتهى.
وهذا يَحْتَمِل أن يكون لغير المرأة المعتدّة، فلا نكارة فيه، بخلاف حديث أسماء، والله أعلم.
وأغرب ابن حبّان، فساق الحديث بلفظ:"تسلّمي" بالميم، بدل الموحدة، وفسّره بأنه أمرها بالتسليم لأمر الله، ولا مفهوم لتقييدها بالثلاث، بل