للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[تنبيه]: قال العلماء: والحكمة في وجوب الإحداد في عدّة الوفاة دون الطلاق؛ لأن الزينة، والطيب، يدعوان إلى النكاح، ويوقعان فيه، فنُهيت عنه؛ ليكون الامتناع من ذلك زاجرًا عن النكاح؛ لكون الزوج ميتًا، لا يَمنع معتدته من النكاح، ولا يراعيه ناكحها، ولا يخاف منه، بخلاف المطلق الحيّ، فإنه يُستغنَى بوجوده عن زأجر آخر، ولهذه العلة وجبت العدّة على كل متوفًى عنها، وإن لم تكن مدخولًا بها، بخلاف الطلاق، فاستُظهر للميت بوجوب العدّة، وجُعلت أربعة أشهر وعشرًا؛ لأن الأربعة فيها ينفخ الروح في الولد إن كان، والعشر احتياطًا، وفي هذه المدة يتحرك الولد في البطن، قالوا: ولم يوكل ذلك إلى أمانة النساء، ويجعل بالإقراء كالطلاق؛ لما ذكرناه من الاحتياط للميت، وَلَمّا كانت الصغيرة من الزوجات نادرةً أُلحقت بالغالب في حكم وجوب العدّة، والإحداد (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في عدّة المتوفّى عنها زوجها: قال العلّامة ابن قُدامة - رَحِمَهُ اللهُ -: أجمع أهل العلم على أن عدّة الحرّة المسلمة، غير ذات الحمل من وفاة زوجها أربعة أشهر وعشرٌ، مدخولًا بها، أو غير مدخول بها، وسواء كانت كبيرة، أو صغيرةً، لم تبلغ، وذلك لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: ٢٣٤] وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل لامرأة … " الحديث المذكور في الباب.

[فإن قيل]: ألا حملتم الآية على المدخول بها، كما قلتم في قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨]؟

[قلنا]: إنما خصّصنا هذه بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: ٤٩]، ولم يَرِد تخصيص عدّة الوفاة، ولا أمكن قياسها على المطلقة في التخصيص لوجهين:


(١) "شرح النوويّ" ١٠/ ١١٣.