للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ما شرطوه من الولاء لغير المعتِق، وقال وليّ الدين: ظاهره أنه لم يَرَ ما أرادوه من اشتراط الولاء للبائع مانعًا من الشراء على الوجه الذي أرادوه، فإن اشتراط ذلك لا يضرّ شيئًا؛ لأن حكم الشرع أن الولاء للمعتِق، فلا يضرّ اشتراط خلافه، وقد ورد التصريح بذلك في قوله في حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: "اشتريها، وأعتقيها، واشترطي لهم الولاء، فإن الولاء لمن أعتق"، وهي في "الصحيحين".

وفي ذلك إشكال من وجهين:

[أحدهما]: أن البيع يفسد باشتراط الولاء لهم، كما تقدم، فكيف يثبت مع ذلك عتق وولاء؟

[الثاني]: كيف يَأذَن لها في اشتراط ما لا يصحّ، ولا يحلّ للمشترطين، وفي ذلك خِدَاعٌ لهم، يصان عنه الشرع، ولهذا أنكر بعضهم هذا اللفظ، وذلك مَحْكِيٌّ عن يحيى بن أكثم، وهذا ضعيفٌ؛ لثبوته في "الصحيحين"، كما تقدم، وقال بعضهم: اللام في قوله: "لهم" بمعنى "على"؛ أي: اشترطي عليهم، كما في قوله تعالى: {وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ} [غافر: ٥٢]، وهذا محكيّ عن الشافعيّ، والمزنيّ، وضعّفه بعضهم، فإنه - صلى الله عليه وسلم - أنكر عليهم الاشتراط، ولو كان كما قاله صاحب هذا التأويل لم ينكره.

وقد يجاب عن هذا بأنه إنما أنكر ما أرادوا اشتراطه في أول الأمر.

وقيل: إن المراد بالاشتراط هنا ترك المخالفة لِمَا شرطه البائع، وعدم إظهار النزاع فيه، وقد يُعَبَّر عن التخلية بصيغة تدلّ على الفعل، كما في قوله تعالى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: ١٠٢].

وقيل: إن ذلك عقوبة لمخالفتهم حكم الشرع بعد معرفتهم به، فعاقبهم في المال بتحسير ما نقصوا من الثمن في مقابلة كون الولاء لهم.

وقيل: معنى اشترطي لهم الولاء: أظهري حكم الولاء، ومنه أشراط الساعة.

وقيل: المراد الزجر والتوبيخ لهم؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان بيّن لهم حكم الولاء، وأن هذا الشرط غير جائز، فلما ألَحُّوا في اشتراطه، ومخالفة الأمر، قال لعائشة هذا الكلام، بمعنى لا تبالي، سواء شرطتيه أم لا، فإنه شرط باطل