(الثاني): أن قوله: "اشترطي" لم يكن على جهة الإباحة، لكن على جهة التنبيه على أن ذلك الشرط لا ينفعهم، فوجوده وعدمه سواء، فكأنه يقول: اشترطي أو لا تشترطي فذلك لا يفيدهم، وقد قوَّى هذا الوجه ما جاء من رواية أيمن المكي عن عائشة:"اشتريها، ودعيهم يشترطون".
(الثالث): أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قد كان أعلم بأن اشتراط البائع الولاء باطل، واشتَهَر ذلك، بحيث لا يخفى على هؤلاء، فلمَّا أرادوا أن يشترطوا لِمَا عَلِموا بطلانه أطلق صيغة الأمر مريدًا بها التهديد على مآل الحال، كما قال تعالى:{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ}[التوبة: ١٠٥]، فكأنه يقول: اشترطي لهم، فسيعلمون أن ذلك لا يفيد، ويؤيِّده قوله في حين خطبهم:"ما بال رجال يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله؟! من اشترط شرطًا ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق"، فتوبيخهم بمثل هذا القول يدلُّ على ما كان قد تقدَّم بيانه لحكم الله تعالى بإبطاله؛ إذ لو لم يتقدَّم بيان ذلك لبدأ الآن ببيان الحكم، لا بتوبيخ الفاعل؛ لأنه باق على البراءة الأصلية. قال القرطبيّ: وهذه التأويلات الثلاث لعلمائنا.
(الرابع): ما قاله الطحاويّ من أن الشافعي روى هذه اللفظة عن مالك عن هشام بن عروة بإسناده، ولفظه، وقال فيها:"وأشرطي لهم الولاء" - بغير تاء -، وقال: معناه: أظهري لهم حكم الولاء؛ لأن الإشراط هو: الإظهار في كلام العرب، ثم أورد الشاهد الآتي قريبًا.
قال: وهذه الرواية مما انفرد بها الشافعيّ، عن مالك، والجمهور من الأئمة الحفاظ على ما تقدم من ذلك. انتهى كلام القرطبيّ - رحمه الله - (١).
وقال في "الفتح": قال ابن عبد البز، وغيره: كذا رواه أصحاب هشام، عن عروة، وأصحاب مالك، عن هشام، واستُشكل صدور الإذن منه - صلى الله عليه وسلم - في البيع على شرط فاسدٍ، واختلف العلماء في ذلك: فمنهم من أنكر الشرط في