للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال آخرون: الأمر في قوله: "واشترطي"، للإباحة، وهو على وجه التنبيه على أن ذلك لا ينفعهم، فوجوده وعدمه سواء، وكأنه يقول: اشترطي، أو لا تشترطي، فذلك لا يُفيدهم.

ويقوّي هذا التأويل قوله في رواية أيمن عند البخاريّ: "اشتريها، ودعيهم يشترطون ما شاؤوا".

وقيل: كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أعلم الناسَ بأن اشتراط البائع الولاء باطلٌ، واشتهر ذلك بحيث لا يخفى على أهل بريرة، فلما أرادوا أن يشترطوا ما تقدّم لهم العلمُ ببطلانه أطلق الأمر، مُريدًا به التهديد على مآل الحال، كقوله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ} [التوبة: ١٠٥]، وكقول موسى: {أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ} [الشعراء: ٤٣] أي: فليس ذلك بنافعكم، وكأنّه يقول: اشترطي لهم، فسيعلمون أن ذلك لا ينفعهم.

ويؤيّده قوله حين خطبهم: "ما بال أقوام يشترطون شروطًا إلخ"، فوبّخهم بهذا القول، مشيرًا إلى أنه قد تقدّم منه بيان حكم الله بإبطاله، إذ لو لم يتقدّم بيان ذلك، لبدأ ببيان الحكم في الخطبة، لا بتوبيخ الفاعل؛ لأنه كان يكون باقيًا على البراءة الأصليّة.

وقيل: الأمر فيه بمعنى الوعيد الذي ظاهره الأمر، وباطنه النهي، كقوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: ٤٠].

وقال الشافعيّ في "الأمّ": لمّا كان مَن اشترط خلاف ما قضى الله ورسوله عاصيًا، وكانت في المعاصي حدودٌ، وآدابٌ، وكان من أدب العاصين أن يُعطل عليهم شروطهم ليرتدعوا عن ذلك، ويرتدع به غيرهم، كان ذلك من أيسر الأدب.

وقال غيره: معنى "اشترطي": اتركي مخالفتهم فيما اشترطوه، ولا تُظهري نزاعهم فيما دعوا إليه، مراعاة لتنجيز العتق؛ لتشوّف الشارع إليه، وقد يعبّر عن الترك بالفعل، كقوله تعالى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: ١٠٢]، أي: نتركهم يفعلون ذلك، وليس المراد بالإذن إباحة الإضرار بالسحر.