قال ابن دقيق العيد: وهذا وإن كان مُحْتَمِلًا، إلا أنه خارجٌ عن الحقيقة من غير دلالة على المجاز من حيث السياق.
وقال النوويّ: أقوى الأجوبة أن هذا الحكم خاصّ بعائشة في هذه القضيّة، وأن سببه المبالغة في الرجوع عن هذا الشرط؛ لمخالفته حكم الشارع، وهو كفسخ الحجّ إلى العمرة، كان خاصًّا بتلك الحجّة، مبالغةً في إزالة ما كانوا عليه من منع العمرة في أشهر الحجّ.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قوّاه النوويّ ضعيفٌ عندي؛ إذ خطبته - صلى الله عليه وسلم - المذكورة في الحديث تردّ هذه الدعوى، حيث عمّمت بإبطال كلّ شروطٍ منافية لحكم الشارع.
وقد تعقّبه ابن دقيق العيد بأن التخصيص لا يثبت إلا بدليل، ولأن الشافعيّ نصّ على خلاف هذه المقالة.
ثمّ إن ما ذكره في فسخ الحجّ ضعيفٌ أيضًا، إذ الحقّ أن فسخ الحجّ إلى العمرة ليس خاصًّا بتلك الحجّة، بل عامّ إلى يوم القيامة، وقد تقدّم تحقيق هذه المسألة بأدلّتها في "كتاب الحجّ"، فراجعه تستفد، والله تعالى أعلم.
قال: ويُستفاد منه ارتكاب أخفّ المفسدتين، إذا استلزم إزالة أشدّهما.
وتُعُقّب بأنه استدلالٌ بِمُختَلَفٍ فيه على مُختَلَفٍ فيه.
وقال ابن الجوزيّ: ليس في الحديث أن اشتراط الولاء والعتق كان مقارنًا للعقد، فيُحْمَل على أنه كان سابقًا للعقد، فيكون الأمر بقوله:"اشترطي" مجرّد الوعد، ولا يجب الوفاء به.
وتُعُقّب باستبعاد أنه - صلى الله عليه وسلم - يأمر شخصًا أن يَعِدَ مع علمه بأنه لا يفي بذلك الوعد.
وأغرب ابن حزم، فقال: كان الحكم ثابتًا بجواز اشتراط الولاء لغير المعتق، فوقع الأمر باشتراطه في الوقت الذي كان جائزًا فيه، ثم نُسخ ذلك الحكم بخطبته - صلى الله عليه وسلم -، وبقوله:"إنما الولاء لمن أعتق"، ولا يخفى بُعْدُ ما قال، وسياق طرق الحديث يدفع في وجه هذا الجواب، والله المستعان.
وقال الخطّابيّ: وجه هذا الحديث أن الولاء لَمّا كان كلُحْمة النسب، والإنسان إذا وُلد له ولدٌ ثبت له نسبه، ولا ينتقل نسبه عنه، ولو نُسب إلى