واستُدِلّ بقوله:"الولاء لمن أعطى الْوَرِق" على من قال فيمن أعتق عن غيره بوصية من المعتق عنه: إن الولاء للمعتِق؛ عملًا بعموم قوله:"الولاء لمن أعتق"، وموضع الدلالة منه قوله:"الولاء لمن أعطى الورق"، فدلّ على أن المراد بقوله:"لمن أَعْتق" لمن كان من عُتِق في ملكه حين العتق، لا لمن باشر العتق فقط. انتهى (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
وبالسند المتّصل إلى المؤلّف - رحمه الله - أوّل الكتاب قال:
[٣٧٧٨]( … ) - (حَدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثنا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِم، قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ، يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ؛ أنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ لِلْعِتْق، فَاشْتَرَطُوا وَلَاءَهَا، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ:"اشْتَرِيهَا، وَأَعْتِقِيهَا، فَإنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ"، وَأُهْدِيَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَحْمٌ، فَقَالُوا لِلنَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: هَذا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، فَقَالَ:"هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ، وَهُوَ لَنَا هَدِيَّةٌ"، وَخُيِّرَتْ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَكَانَ زَوْجُهَا حُرًّا، قَالَ شُعْبَةُ: ثُمَّ سَألتُهُ عَن زَوْجِهَا، فَقَالَ: لَا أَدْرِي).
رجال هذا الإسناد: ستة:
وكلهم ذُكروا في الباب، وفيما قبله.
وقوله:(وَكَانَ زَوْجُهَا حُرًّا، قَالَ شُعْبَةُ: ثمَّ سَألتُهُ عَنْ زَوْجِهَا، فَقَالَ: لَا أَدْرِي) المسئول هو عبد الرحمن بن القاسم، وفي رواية البخاريّ عن محمد بن بشار، عن غندر، عن شعبة، قال عبد الرحمن: زوجها حرّ، أو عبدٌ، قال شعبة: سألت عبد الرحمن عن زوجها، قال: لا أدري أحرّ، أم عبد؟ وفي رواية النسائيّ عن محمد بن إسماعيل، عن يحيى بن أبي بكير، عن شعبة، عن عبد الرحمن:"وكان زوجها عبدًا، ثم قال بعد ذلك: ما أدري".
وكل هذا يدلّ على أن عبد الرحمن كان متردّدًا، فمرّةً يقول: حرّ، ومرّةً يقول: عبد، ومرّةً يقول: لا أدري، وقد تقدّم أن المحفوظ أنه كان عبدًا، كما رواية الأكثرين، فتنبّه، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.