للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(لَا يَحِلُّ) - بكسر الحاء المهملة - مضارع حَلّ، من باب ضرب: ضدُّ حَرُم (لِمُسْلِمٍ أَنْ يَتَوَالَى مَوْلَى رَجُلٍ مُسْلِمٍ) يعني أنه لا يحلّ لرجل مسلم أن يُحْدث ولاءً مع من أعتقه غيره من المسلمين؛ لأن الولاء لُحْمَةٌ كلُحْمة النسب، ولا يثبت شرعًا إلا للمعتِقِ.

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: هذا يقتضي تحريم أن ينسُب أحدٌ مولى رجل لنفسه، وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الآتي بعده يقتضي تحريم نسبة المولى لغير مُعتِقِه، وكلاهما محرّم هنا، كما هو محرّم في النسب، وقد سوّى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بينهما في الرَّدْع، والوعيد، فقال: "من ادّعَى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه، فالجنّة عليه حرام". انتهى (١).

(بِغَيْرِ إِذْنِهِ") أي: بغير إذن سيّده، قال القرطبيّ - رحمه الله -: دليل خطابه يدلّ على أن السيّد إذا أذِن في ذلك جاز، كما قد ذهب إليه بعض الناس، وليس بصحيح، والجمهور على منع ذلك، وإن أذن السيّد؛ لأن السيّد إذا أذن في ذلك بِعوض، فهو المبايعة للولاء المنهيّ عنها، أو ما في معناه، وإن كان بغير عوض، فهي هبة الولاء، وما معناها، ولا يجوز واحد منهما، وإنما جرى ذكر الإذن فيه؛ لأن أكثر ما يقع من ذلك، إنما يكون بغير إذن السادة، فلا دليل خطاب لمثل هذا اللفظ، وقد بيّنّا في أصول الفقه أن ما يدُلّ على جهة النطق مُرجّحٌ على ما يدلّ على جهة المفهوم. انتهى (٢).

وقال النوويّ - رحمه الله - ما معناه: قد احتجّ قوم بقوله: "بغير إذنه" على جواز التولّي بإذن مواليه، والصحيح الذي عليه الجمهور أنه لا يجوز، وإن أذِنوا، كما لا يجوز الانتساب إلى غير أبيه، وإن أذِن أبوه فيه، وحملوا التقييد في الحديث على الغالب؛ لأن غالب ما يقع هذا بغير إذن الموالي، فلا يكون له مفهوم يُعمل به، ونظيره قوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} الآية [النساء: ٢٣]، وقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} الآية [الأنعام: ١٥١] وغير ذلك من الآيات التي قُيّد فيها للغالب، وليس لها مفهوم يُعمل به. انتهى (٣).


(١) "المفهم" ٤/ ٣٤٠.
(٢) "المفهم" ٤/ ٣٤١.
(٣) "شرح النوويّ" ١٠/ ١٤٩.