للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والكبر، ونسيان منّة الله تعالى فيما أنعم به عليه، فالبخيل يُعظّم في نفسه العطيّةَ، وإن كانت حقيرةً في نفسها، والعُجْبُ يحمله على النظر لنفسه بعين العظمة، وأنّه مُنعِمٌ بماله على الْمُعطَى له، ومتفضِّل عليه، وإن كان له عليه حقّ يجب عليه مراعاته، والكبر يحمله على أن يَحْتَقِر المعطَى له، وإن كان في نفسه فاضلًا، ومُوجِب ذلك كلّه الجهل، ونسيان منّة الله تعالى فيما أنعم به عليه؛ إذ قد أنعم عليه مما يُعطي، ولم يَحْرِمه ذلك، وجعله ممن يُعطِي، ولم يجعله ممن يَسْأل، ولو نظر ببصيرته لعلم أنّ المنّة للآخذ؛ لما يُزيل عن المعطي من إثم المنع، وذمّ المانع، ومن الذنوب، ولما يحصل له من الأجر الجزيل، والثناء الجميل.

وقيل: المنّان في هذا الحديث هو من المنّ الذي هو القطع، كما قال الله تعالى: {لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [فصلت: ٨]: أي غير مقطوع، فيكون معناه: البخيل بقطعه عطاءَ ما يجب عليه للمستحقّ، كما جاءفي حديث آخر: "البخيل المنّان" (١)، فنعته به.

والتأويل الأول أظهر، أفاده القرطبيّ رحمه الله تعالى (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: بل التأويل الثاني ضعيفٌ جدًّا، ومما يُضعفه ما في الرواية التالية بلفظ: "والمنان الذي لا يُعطي شيئًا إلا منّه"، فإنه ظاهر في المعنى الأول، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

[تنبيه]: الحديث الذي أشار إليه القرطبيّ أخرجه أحمد في "مسنده"، فقال:

(٢١٠٢٠) حدثنا يزيد، أخبرنا الأسود بن شيبان، عن يزيد أبي العلاء، عن مُطَرّف بن عبد الله بن الشّخّير، قال: بلغني عن أبي ذرّ حديث، فكنت أُحِبُّ أن ألقاه، فلقيته، فقلت له: يا أبا ذر، بلغني عنك حديث، فكنتُ أحبّ أن ألقاك، فأسألَكَ عنه، فقال: قد لقيتَ، فاسأل، قال: قلت: بلغني أنك تقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول: "ثلاثة يحبهم الله - عَزَّ وَجَلَّ -، وثلاثة


(١) رواه أحمد من حديث أبي ذرّ رضي الله تعالى عنه بإسناد صحيح
(٢) راجع: "المفهم" ١/ ٣٠٤ - ٣٠٥.