في حمل الشاة ولبنها، وكذلك أجمع المسلمون على جواز أشياء فيها غرر حقير، منها: أنهم أجمعوا على صحة بيع الْجُبّة المحشوة، وإن لم يُر حشوها، ولو بِيعَ حشوها بإنفراده لم يجز، وأجمعوا على جواز إجارة الدار، والدابة، والثوب، ونحو ذلك شهرًا، مع أن الشهر، قد يكون ثلاثين يومًا، وقد يكون تسعة وعشرين، وأجمعوا على جواز دخول الحمّام بالأجرة، مع اختلاف الناس في استعمالهم الماء، وفي قدر مكثهم، وأجمعوا على جواز الشرب من السقاء بالعوض، مع جهالة قدر المشروب، واختلاف عادة الشاربين، وعكس هذا.
وأجمعوا على بطلان بيع الأَجِنّة في البطون، والطير في الهواء.
قال العلماء: مدارُ البطلان بسبب الغرر، والصحةِ مع وجوده، على ما ذكرناه، وهو أنه إن دعت حاجة إلى ارتكاب الغرر، ولا يمكن الاحتراز عنه، إلا بمشقة، وكان الغرر حقيرًا، جاز البيع، وإلا فلا، وما وقع في بعض مسائل الباب، من اختلاف العلماء في صحة البيع فيها، وفساده؛ كبيع العين الغائبة، مبنيّ على هذه القاعدة، فبعضهم يَرَى أن الغرر حقير، فيجعله كالمعدوم، فيصح البيع، وبعضهم يراه ليس بحقير، فيبطل البيع، والله أعلم.
قال: واعلم: أن بيع الملامسة، وبيع المنابذة، وبيع حَبَل الْحَبَلة، وبيع الحصاة، وعَسْبَ الفحل، وأشباهها، من البيوع التي جاء فيها نصوص خاصة، هي داخلة في النهي عن بيع الغرر، ولكن أُفردت بالذكر، ونُهي عنها؛ لكونها من بياعات الجاهلية المشهورة، والله أعلم. انتهى كلام النوويّ - رحمه الله - (١).
وقال القرطبيّ - رحمه الله -: هو البيع المشتمل على غَرَرٍ مقصود، كبيع الأجِنّة، والسمك في الماء، والطير في الهواء، وما أشبه ذلك، فأما الغرر اليسير الذي ليس بمقصود، فلم يتناوله هذا النهي؛ لإجماع المسلمين على جواز إجارة العبد، والدار مشاهرةً، ومساناةً، مع جواز الموت، وهدم الدار قبل ذلك، وعلى جواز إجارة الدخول في الْحَمّام، مع تفاوت الناس فيما يتناولون من الماء، وفي قدر الْمُقام فيه، وكذلك الشرب من السقاء، مع اختلاف أحوال الناس في قدر المشروب، وأيضًا، فإن كلَّ بيع لا بدّ فيه من نوع من الغرر،