للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لكنه لَمّا كان يسيرًا، غير مقصود، لم يلتفت الشرع إليه. ولَمّا انقسم الغرر على هذين الضربين، فما تبيّن أنه من الضرب الأول مُنع، وما كان من الضرب الثاني، أُجيز، وما أشكل أمره، اختُلف فيه، من أيّ القسمين هو، فيُلحقَ به. انتهى (١).

وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة - رحمه الله -: وأما الغرر، فالأصل في ذلك أن الله تعالى حرّم في كتابه أكل أموالنا بالباطل، وهذا يعمّ كلّ ما يؤكل بالباطل، والنبيّ - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الغرر، والغرر هو المجهول العاقبة، فمن أنواعه: بيع حَبَل الحَبَلة، وبيع الملاقيح، وبيع المضامين، وبيع الثمار قبل بدوّ صلاحها، وبيع الملامسة، والمنابذة، ونحو ذلك، من أنواعه، وصوره. والغرر ثلاثة أنواع: بيع المعدوم؛ كحبَل الحبَلة، وبيع المعجوز عن تسليمه؛ كالجمل الشارد، وبيع المجهول المطلق، أو المجهول الجنس، أو المجهول القدر.

وقال أيضًا: رخّص الشارع فيما تدعو الحاجة إليه من الغرر؛ كبيع العقار بأساسه، والحيوان الحامل، والثمرة بعد بُدُوّ صلاحها، وبيع ما المقصود منه مغيّب في الأرض؛ كالبصل، والفجل، ونحوهما قبل قلعه، وتختلف مشارب الفقهاء في هذا، فأبو حنيفة، والشافعيّ أشدّ الناس قولًا في الغرر، وأصول الشافعيّ المحرّمة أكثر من أصول أبي حنيفة، أما مالك، فمذهبه أحسن المذاهب في هذا، فإنه يجوّز بيع هذه الأشياء، وجميع ما تدعو الحاجة إليه، أو يَقِلّ غرره، فيجوز بيع المقاثي جملة، وبيع المغيّبات في الأرض؛ كالجزر، والفجل، والبصل، ونحو ذلك، وأحمد قريب منه في ذلك، والناس محتاجون إلى هذه البيوع، والشارع لا يُحرّم ما يحتاج الناس إليه من البيع؛ لأجل نوع من الغرر، وهذا أصحّ الأقوال، وعليه يدلّ غالب معاملات السلف، ولا يستقيم أمر الناس في معاشهم إلا به، وكلّ من شدّد في تحريم ما يعتقده غررًا، فإنه لا بدّ أن يضطرّ إلى إجازة ما حرّمه اللهُ، فإما أن يخرج عن مذهبه الذي يقلّده في هذه المسألة، وإما أن يحتال، ومفسدة التحريم لا تزول بالحيلة. انتهى كلام شيخ الإسلام - رحمه الله - (٢).


(١) "المفهم" ٤/ ٣٦٢.
(٢) "مجموع الفتاوى" ٢٩/ ٢٢٧ و ٤٨٦.