(وَلَا يَبعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ) تقدّم شرحه في الحديث الماضي.
(وَلَا تَنَاجَشُوا)؛ أي: لا تفعلوا النَّجْشَ، وهو بنون مفتوحة، ثم جيم ساكنة، ثم شين معجمة: أن يزيد في ثمن السلعة، لا لرغبة فيها، بل لِيَخْدَعَ غيره، وَيغُرّه ليزيد، ويشتريها، وهذا حرام بالإجماع، والبيع صحيح، والإثم مختصّ بالناجش، إن لم يعلم به البائع، فإن واطأه على ذلك أَثِمَا جميعًا، ولا خيار للمشتري، إن لم يكن من البائع مواطأةٌ، وكذا إن كانت في الأصح؛ لأنه قصّر في الاغترار، وسيأتي تمام البحث فيه بعد حديث - إن شاء الله تعالى -.
(وَلَا يَبعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ) المراد به أن يَقْدَم غريب من البادية، أو من بلد آخر بمتاع تعُمّ الحاجة إليه؛ ليبيعه بسعر يومه، فيقول له البلديّ: اتركه عندي؛ لأبيعه على التدريج بأعلى، وسيأتي تمام البحث فيه بعد باب - إن شاء الله تعالى -.
(وَلَا تُصَرُّوا الإِبِلَ وَالْغَنَمَ) هو بضم التاء، وفتح الصاد، ونصب "الإبلَ"، من التصرية، وهي الجمع، يقال: صَرَّى يُصَرِّي تصريةً، وصَرّاها يُصَرِّيها تصريةً، فهي مُصَرَّاةٌ، كغَشّاها يُغَشِّيها تغشيةً، فهي مُغَشَّاةٌ، وزَكَّاها يُزَكِّيها تزكيةً، فهي مُزَكَّاةٌ.
قال القاضي عياض: ورَوَيناه في غير "صحيح مسلم" عن بعضهم: "لا تَصُرُّوا" بفتح التاء، وضم الصاد، من الصَّرِّ، قال: وعن بعضهم: "لا تُصَرُّ الإبلُ"، بضم التاء، من "تُصَرُّ"، بغير واو بعد الراء، وبرفع "الإبلُ"، على ما لم يُسَمَّ فاعله، من الصَّرِّ أيضًا، وهو ربط أخلافها، والأول هو الصواب المشهور.
ومعناه: لا تجمعوا اللبن في ضرعها، عند إرادة بيعها، حتى يَعْظُم ضرعها، فيَظُنَّ المشتري أن كثرة لبنها عادةٌ لها مستمرةٌ، ومنه قول العرب: صَرَّيتُ الماءَ في الحوض؛ أي: جمعته، وصَرَّى الماءَ في ظهره؛ أي: حبسه، فلم يتزوج.
قال الخطابيّ: اختَلَف العلماء، وأهل اللغة في تفسير المصرَّاة، وفي اشتقاقها، فقال الشافعيّ: التصرية: أن يَرْبِط أخلاف الناقة، أو الشاة، وَيتْرُك