للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مع أنه حرام، وللمشتري الخيار في إمساكها، وردّها، وسنوضحه بعد بابين - إن شاء الله تعالى - وفيه دليل على تحريم التدليس في كل شيء، وأن البيع من ذلك ينعقد، وأدق التدليس بالفعل حرام؛ كالتدليس بالقول، قاله النوويّ - رحمه الله - (١).

وقوله: (الْإِبِلَ، وَالْغَنَمَ) لم يذكر البقر؛ لغلبتهما عندهم، وإلا فحكمها كحكمهما سواء، خلافًا لداود الظاهريّ، قاله في "الفتح".

وقال وليّ الدين: الظاهر أن ذكر الغنم والإبل، دون غيرهما خرج مخرج الغالب فيما كانت العرب تصرّيه، وتبيعه، تدليسًا، وغشًّا، فإن البقر قليل ببلادهم، وغير الأنعام لا يُقصد لبنها غالبًا، فلم يكونوا يُصَرُّون غير الإبل والغنم، وما خرج مخرج الغالب لا مفهوم له، كيف وهو مفهوم لقب، وليس حجةً عند الجمهور.

وروى الترمذيّ، من رواية محمد بن زياد، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، مرفوعًا: "من اشترى مُصَرّاةً"، وهو يتناول كلّ مصرّاة، لكن في "صحيح مسلم"، وغيره من رواية محمد بن سيرين، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: "من اشترى شاةً مصرّاةً"، فصرّح بذكر الموصوف، وقد صرّح الشافعيّة بأن تحريم التصرية عامّ في كلّ مصرّاة، سواء في ذلك الأنعام، وغيرها، مما هو مأكول اللحم، وغير مأكول اللحم مما يحلّ بيعه، وأما ثبوت الخيار، وردّ الصاع، فسيأتي ذكره بعد بابين - إن شاء الله تعالى - انتهى (٢).

(فَمَنِ ابْتَاعَهَا)؛ أي: اشترى المصرّاة (بَعْدَ ذَلِكَ)؛ أي: بعد التصرية، وفي الرواية الآتية بعد بابين: "من ابتاع شاةً مصرّاة، فهو بالخيار ثلاثة أيام … "، والصحيح أن ابتداء هذه المدة، من وقت بيان التصرية، وهو قول الحنابلة، وعند الشافعية: أنها من حين العقد، وقيل: من التفرّق، ويلزم عليه أن يكون لغرر أوسع من الثلاث، في بعض الصور، وهو ما إذا تأخر ظهور التصرية، إلى آخر الثلاث، ويلزم عليه أيضًا أن تُحسَب المدة قبل التمكن من الفسخ، وذلك يُفَوِّت مقصود التوسع بالمدة.


(١) راجع: "شرح النوويّ" ١٠/ ١٦ - ١٦٢.
(٢) "طرح التثريب" ٦/ ٧٧ - ٧٨.