للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ) أي: أحسن الرأيين، وقوله: (بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا) بضمّ اللام، وكسرها، من بابي نصر، وضرب (١)، وظاهره؛ أن الخيار لا يثبت، إلا بعد الحلب، والجمهور على أنه إذا علم بالتصرية، ثبت له الخيار، ولو لم يَحلُب، لكن لما كانت التصرية، لا تُعرف غالبًا إلا بعد الحلب، ذُكِر قيدًا في ثبوت الخيار، فلو ظهرت التصرية بغير الحلب، فالخيار ثابت.

قال الجامع عفا الله عنه: هكذا قال في "الفتح"، ولكن الذي يظهر لي أن الخيار إنما يثبت بعد الحلب؛ لظاهر النصّ، والله تعالى أعلم.

ثم بيّن النظرين بقوله: (فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا)؛ أي: أبقاها على ملكه، وهو يقتضي صحة بيع المصرّاة، وإثبات الخيار للمشتري، فلو اطلع على عيب، بعد رضاه بالتصرية، فردّها، هل يلزم الصاع؟ فيه خلاف، والأصح عند الشافعية وجوب الرد، ونقلوا نص الشافعيّ على أنه لا يردّ، وعند المالكية قولان.

(وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا) ظاهره اشتراط الفور، وقياسًا على سائر العيوب، لكن الرواية التي فيها: أن له الخيار ثلاثة أيام، مقدمة على هذا الإطلاق، ونقل أبو حامد، والروياني، فيه نص الشافعيّ، وهو قول الأكثر، وأجاب من صحح الأول، بأن هذه الرواية، محمولة على ما إذا لم يَعلَم أنها مصرّاة، إلا في الثلاث؛ لكون الغالب أنها لا تُعلَم فيما دون ذلك، قال ابن دقيق العيد: والثاني أرجح؛ لأن حكم التصرية، قد خالف القياس في أصل الحكم؛ لأجل النص، فيطّرد ذلك، وبتبع في جميع موارده.

قال الحافظ: ويؤيده أن في بعض روايات أحمد، والطحاويّ، من طريق ابن سيرين، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: "فهو بأحد النظرين، بالخيار إلى أن يحوزها، أو يردها"، وسيأتي. انتهى.

(وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ) بنصب "صاعًا" عطفًا على الضمير في "ردّها"، قال في "الفتح": ويجوز أن تكون الواو بمعنى "مع"، ويستفاد منه فورية الصاع مع الردّ، ويجوز أن يكون مفعولًا معه، ويَعكُر عليه قول جمهور النحاة: إن شرط المفعول معه أن يكون فاعلًا. انتهى (٢).


(١) راجع: "القاموس" ١/ ٥٧.
(٢) "الفتح" ٥/ ٦١٩.