للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وتخصيص النصّ به، أو تعميمه على قواعد القياس، وحيث يخفي، أو لا يظهر ظهورًا قويًّا، فاتباع اللفظ أولى.

وأما ما ذكره في اشتراط أن يلتمس البدويّ ذلك، فلا يقوى؛ لعدم ظهور دلالة اللفظ عليه، وعدم ظهور المعنى فيه، فإن المذكور الذي علّل به النهي، لا يفترق الحال فيه، بين سؤال البلديّ وعدمه ظاهرًا.

وأما اشتراط أن يكون الطعام مما تدعو الحاجة إليه، فمتوسّط في الظهور وعدمه؛ لاحتمال أن يراعى مجرّد ربح الناس على ما أشعر به التعليل، من قوله: "دعوا الناس، يرزق الله بعضهم من بعض".

وأما اشتراط أن يظهر لذلك المتاع المجلوب سعة في البلد، فكذلك أيضًا؛ أي: أنه متوسّط في الظهور؛ لما ذكرناه، من احتمال أن يكون المقصود مجرّد تقريب الربح، والرزق على أهل البلد. وهذه الشروط منها ما يقوم الدليل الشرعيّ عليه؛ كشرطنا العلم بالنهي، ولا إشكال فيها، ومنها ما يؤخذ باستنباط المعنى، فيخرّج على قاعدة أصولتة، وهي أن النصّ إذا استُنبط منه معنى يعود عليه بالتخصيص، هل يصحّ، أم لا؟ انتهى.

وقال الحافظ العراقيّ في "شرح الترمذيّ": جواز الإشارة عليه هو الصواب؛ لأنه إنما نُهي عن البيع له، وليسس فيه بيع له، وقد أُمر بنصحه في بعض طرق هذا الحديث، وهو قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "وإذا استنصح أحدكم أخاه، فلينصح له". انتهى، وبه قال ابن حزم، ذكره في "الطرح" (١).

وقال ابن قُدامة - رَحِمَهُ اللهُ -: وأما إن أشار الحاضر على البادي، من غير أن يباشر البيع له، فقد رخص فيه طلحة بن عبيد الله، والأوزاعي، وابن المنذر، وكرهه مالك، والليث، وقول الصحابي حجة ما لَمْ يثبت خلافه. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن القول بجواز الإشارة عليه، إذا استشاره هو الأرجح؛ لعدم تناول النصّ له، مع أن النصيحة له واجبة عليه، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) "طرح التثريب" ٦/ ٧٣ - ٧٥.
(٢) "المغني" ٦/ ٣١١.