(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في بطلان بيع الحاضر للبادي، إذا وُجدت الشروط المذكورة:
قال ابن قدامة - رَحِمَهُ اللهُ -: وإن اجتمعت هذه الشروط، فالبيع حرام، وقد صرّح الخرقي ببطلانه، ونصّ عليه أحمد في رواية إسماعيل بن سعيد، قال: سألت أحمد عن الرجل الحضري، ببيع للبدوي؟ فقال: أكره ذلك، وأَرُدُّ البيع في ذلك، وعن أحمد رواية أخرى: أن البيع صحيح، وهو مذهب الشافعيّ؛ لكون النهي لمعنى في غير المنهي عنه، ولنا إنه منهي عنه، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه. انتهى كلام ابن قدامة - رَحِمَهُ اللهُ -.
وقال الحافظ وليّ الدين - رَحِمَهُ اللهُ -: لو خالف الحاضر، وباع للبادي، حيث منعناه منه، كان البيع صحيحًا، عند الشافعيّ، وطائفة؛ لجمعه الأركان، والشرائط، والخلل في غيره، واختلف المالكيّة في ذلك، فقال بعضهم بالصحّة، وبعضهم بالبطلان، ما لَمْ يَفُت، والقولان عن ابن القاسم، وممن قال بالبطلان: ابن حبيب، وابن حزم الظاهريّ، وقال سحنون: وقال لي غير ابن القاسم: إنه يردّ البيع. وعن أحمد في ذلك روايتان، ومستند البطلان اقتضاء النهي الفساد، قال أصحابنا، وغيرهم: ولا خيار للمشتري، وروى سحنون، عن ابن القاسم أنه يؤدّب الحاضر إذا باع للبادي، وروى عيسى عنه إن كان معتادًا لذلك، وروى عن ابن وهب أنه لا يؤدّب، سواء كان عالمًا، أو جاهلًا. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: إن القول ببطلان البيع هو الأرجح؛ لأنَّ النهي يقتضي الفساد، ولم يوجد في النصّ ما يصرفه عنه، كما وُجد في بيع المصرّاة، حيث قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فمن ابتاع مصرّاة، فهو بخير النظرين" الحديث، فإن تخييره البائع يصرف النهي فيه عن اقتضائه الفساد، فافهم، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في الشراء لأهل البدو:
قال الإمام ابن قُدامة - رَحِمَهُ اللهُ -: فأما الشراء لهم، فيصح عند أحمد، وهو