للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قول الحسن، وكرهت طائفة الشراء لهم، كما كرهت البيع، يُروَى عن أنس - رضي الله عنه -، قال: كان يقال: هي كلمة جامعة، يقول: "لا تبيعنّ له شيئًا، ولا تبتاعنّ له شيئًا"، وعن مالك في ذلك روايتان، ووجه القول الأول، أن النهي غير متناول للشراء بلفظه، ولا هو في معناه، فإن النهي عن البيع؛ للرفق بأهل الحضر؛ ليتسع عليهم السعر، ويزول عنهم الضرر، وليس ذلك في الشراء لهم، إذ لا يتضررون؛ لعدم الغبن للبادين، بل هو دفع الضرر عنهم، والخَلْق في نظر الشارع على السواء، فكما شَرَع ما يدفع الضرر عن أهل الحضر، لا يلزم أن يلزم أهل البدو الضرر. انتهى (١).

وقال وليّ الدين - رَحِمَهُ اللهُ -: أما شراء الحاضر للبادي، فاختلف فيه قول مالك، فمرّة منعه، ومرّة قال: لا بأس به، وقال ابن حبيب: الشراء للبادي مثل البيع، ألا ترى قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يبيع بعضكم على بيع بعض"، إنما هو لا يشتري أحدكم على شراء بعض، قال: فلا يجوز للحضريّ أن يشتري للبدويّ، ولا أن يبيع له، وبه قال ابن حزم الظاهريّ، وقد عرفت الردّ عليه في حمل البيع في ذلك الحديث على الشراء قريبًا، ولم يتعرّض أصحابنا لمنع شراء الحاضر للبادي. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن القول بجواز الشراء هو الأرجح؛ إذ الظاهر عدم تناول قوله: "ولا يبع حاضر لباد" للشراء هنا؛ لأنَّ علّة منع البيع هو التوسعة لأهل المدينة ببيع سلعته بسعر يومه، وهذا لا يوجد في الشراء، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): بوّب الإمام البخاريّ - رَحِمَهُ اللهُ - في "صحيحه" بقوله: هل يبيع الحاضر للبادي بغير أجر، وهل يُعينه، أو ينصحه؟ قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا استنصح أحدكم أخاه، فلينصح له"، قال: ورخّص فيه عطاء، ثم روى حديث جرير - رضي الله عنه -: "بايعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على شهادة أن لا إله إلَّا الله، وأن محمدًا رسول الله، والسمع والطاعة، والنصح لكلّ مسلم"، ثم روى حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: "لا يبيع حاضر لباد"، فقيل لابن عباس: ما قوله: "لا يبيع


(١) "المغني" ٦/ ٣١١.
(٢) "طرح التثريب" ٦/ ٧٥.