للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والكثير، ومن المعلوم أن لبن الشاة الواحدة، أو الناقة الواحدة، يختلف اختلافًا متباينًا، ومع ذلك فالمعتبر الصاع، سواء قلّ اللبن، أم كثُر، فكذلك هو معتبرٌ، سواء قلّت المصرّاة، أو كثُرت، والله تعالى أعلم. انتهى (١)، والحديث متّفقٌ عليه، وقد تقدّم تخريجه قبل بابين، وأذكر هنا ما لَمْ يتقدّم من المسائل، فأقول:

(المسألة الأولى): في فوائده:

١ - (منها): ما قاله الحافظ ابن عبد البر - رَحِمَهُ اللهُ -: هذا الحديث أصل في النهي عن الغشّ، وأصل في ثبوت الخيار لمن دُلّس عليه بعيب، وأصل في أنه لا يَفسُد أصل البيع، وأصل في أن مدة الخيار ثلاثة أيام، وأصل في تحريم التصرية، وثبوت الخيار بها. انتهى.

وقد روى أحمد، وابن ماجة عن ابن مسعود - رضي الله عنه - مرفوعًا: "بيع المحفّلات خِلابة، ولا تحل الخلابة لمسلم"، وفي إسناده ضعيف، وقد رواه ابن أبي شيبة، وعبد الرزاق، موقوفًا، بإسناد صحيح.

وروى ابن أبي شيبة، من طريق قيس بن أبي حازم، قال: كان يقال: التصرية خِلابة. وإسناده صحيح، قاله في "الفتح" (٢).

٢ - (ومنها): أن بيع المصرّاة صحيحٌ؛ لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن رضيها أمسكها"، وهو مجمع عليه، وأنه يثبت للمشتري الخيار، إذا علم بالتصرية، وبه قال الجمهور، وخالف فيه أبو حنيفة، فقال: لا يردّها، بل يرجع بنقصان العيب، وسيأتي الردّ عليه.

٣ - (ومنها): ما قاله القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: إن العقد المنهيّ عنه المحرّم، إذا كان لأجل الآدميّ، لَمْ يدلُّ على الفساد، ولا يُفسخ به العقد، ألا ترى أن التصرية غشّ، محرّم، ثم إن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يفسخ به العقد، لكن جعل للمشتري الخيار؟ انتهى (٣).

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله القرطبيّ فيه نظر لا يخفي، بل


(١) "الفتح" ٥/ ٦٢٨ - ٦٢٩.
(٢) "الفتح" ٥/ ٦٢٦.
(٣) "المفهم" ٤/ ٣٧٢.