للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال: وهذا الذي ظهر لي أولى مما قاله القاضي أبو الفضل، فإنه قال: إنما كان ذلك لاجتماع ملائكة الليل وملائكة النهار في ذلك الوقت؛ لوجهين:

[أحدهما]: أن هذا المعنى موجود في صلاة الفجر؛ لأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار، ثم يجتمعون في صلاة العصر، وصلاة الفجر"، متفق عليه، وعلى هذا فتبطل خصوصيّة العصر؛ لمساواة الفجر لها في ذلك.

[وثانيهما]: أن حضور الملائكة، واجتماعهم إنما في حال فعل هاتين الصلاتين، لا بعدهما، كما قد نصّ عليه في الحديث، حين قال: "يجتمعون في صلاة الفجر، وصلاة العصر، وتقول الملائكة: أتيناهم، وهم يصلّون، وتركناهم، وهم يصلّون"، وهذا يدلّ دلالة واضحةً على أن هؤلاء الملائكة لا يشاهدون من أعمال العباد إلا الصلوات فقط، وبها يشهدون، فتدبّر ما ذكرته، فإنه الأنسب الأسلم. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله تعالى (١)، وهو تحقيقٌ مفيدٌ، والله تعالى أعلم.

(فَحَلَفَ لَهُ) أي للذي بايعه (بِاللهِ لَأَخَذَهَا) أي لقد أخذ السلعة، يعني: أنه اشتراها (بِكَذَا وَكَذَا) أي من الثمن، قال القرطبيّ رحمه الله تعالى: يعني: أنه كَذَبَ، فزاد في الثمن الذي اشترى به، فَكَذَبَ، واستخفّ باسم الله تعالى، حين حَلَفَ به على الكذب، وأَخَذَ مال غيره ظلمًا، فقد جمع بين كبائرَ، فاستحقّ هذا الوعيد الشديد. انتهى (٢).

وفي رواية البخاريّ من طريق أبي حمزة السُّكّريّ، عن الأعمش: "فَحَلَفَ لَهُ بِالله، لَقَدْ أُعْطِيَ بِهَا كَذَا وَكَذَا" بضمّ همزة "أُعطي"، وكسر الطاء، مبنيًّا للمفعول: أي أعطاه غيره ثمنًا معيّنًا، ويجوز أن يكون مبنيًّا للفاعل، والضمير للحالف: أي دفع هو ثمنًا معيّنًا، ورجّح في "الفتح" هذا الثاني، قال: ووقع في رواية عبد الواحد، عن الأعمش بلفظ: "لقد أَعْطَيتُ بها"، وفي رواية أبي معاوية: "فَحَلَفَ له بالله لأخذها بكذا"، وفي رواية عمرو بن دينار، عن أبي صالح: "لقد أَعْطَى بها أكثر مما أُعطي"، بفتح الهمزة والطاء، وفي بعضها


(١) "المفهم" ١/ ٣٠٧ - ٣٠٨.
(٢) "المفهم" ١/ ٣٠٧.